السبت 2016/11/12

آخر تحديث: 15:01 (بيروت)

يوم غاب الأمل

السبت 2016/11/12
increase حجم الخط decrease
لم يكن المصريون في حاجة إلى التصريحات الأمنية التي حذرت من التظاهر يوم 11 نوفمبر تشرين الثاني، بل لم تكن المؤسسة الأمنية نفسها في حاجة إلى القول بأنها ستتصدى لأي تظاهر "خارج عن القانون"، وكل تظاهر هو خارج عن القانون في عرف الأجهزة وعرف القانون نفسه. جاءت تلك التصريحات بحكم العادة، أو ربما تحسباً لوجود شخص لم يدرِ بما جرى لتظاهرات شبيهة في السنوات السابقة. على أي حال، وحتى قبل صدور تلك التحذيرات، قررت الغالبية الكاسحة من المصريين البقاء في المنازل في اليوم المقصود، بل تناقلت شائعات عن حظر تجوال يبدأ في الليلة التي تسبق ذلك اليوم، ما دعا الأجهزة إلى نفي نبأ "الحظر"، مكتفية بحظر الأمر الواقع الذي رسّخته قوات الأمن والمدرعات المنتشرة في الميادين وعند مداخل المدن.

لم يتظاهر الناس - إلا قليلا جداً- في يوم الاحتجاج، وعلى الرغم من أن الدعوة إلى التظاهر بدأت قبل شهور من قرارات تعويم الجنيه ورفع سعر البنزين، لا أنها اكتسبت زخماً، أو شهرة، حين اتُّخذت تلك القرارات. يومها، قال رئيس الوزراء، إن الدولة لن تكرر خطأ 1977 (التظاهرات الكبرى التي اندلعت حين قرر أنور السادات إلغاء الدعم). ولم يقصد رئيس الوزراء أن خطأ السادات هو إلغاء الدعم، بل كان يقصد إن الخطأ كان التراجع عن القرار في مواجهة الجمهور.

لم يندفع الناس إذاً إلى الشوارع كما فعلوا أيام السادات، ربما لأن قرار السادات آنذاك كان مفاجئاً وصادماً في عهد كان لا يزال اشتراكياً، ولأن الدولة كانت لا تزال تتحكم بنفسها في أسعار السلع الاستراتيجية. فكان طبيعياً أن يُوجه الغضب نحوها. أما اليوم، وبعد ثلث قرن من "الخصخصة"، كان الناس يعانون انخفاض سعر عملتهم، بالفعل، قبل أن تنخفض رسمياً، وكانت الأسعار ترتفع لدى التجار والشركات الخاصة بقدر ارتفاع الدولار في السوق السوداء دونما انتظار لـ"تسعيرة" رسمية لم تعد موجودة. فبدا قرار تعويم الجنيه تحصيلاً لحاصل، مجرد اعتراف رسمي بما يعايشه الناس فعلاً منذ سنوات، مجرد إطفاء نهائي لأمل كانت جذوته في رعشتها الأخيرة.

الأمل ذاته، كمفهوم، أو غيابه بمعنى أدق، كان وراء فراغ الميادين في 11 نوفمبر تشرين الثاني. بدت الدولة واضحة في أن سياسات الماضي- الدعم وبقايا الاشتراكية- قد ولّت إلى غير رجعة. بدت أوضح في أن الحناجر إذا صرخت لن تجد آذاناً منصتة، لم يبدُ المسؤولون قلقين وقت إعلانات قرارات رفع الدعم، بل بدوا تقريباً فخورين.

غير أن غياب الأمل سلاح ذو حدين. فكما يحتاج التظاهر إلى أمل يترسّم في هدف أو أهداف، تحتاج القيادة، والزعامة بصورة أكبر، إلى الأمل، لمواصلة نفوذها، حتى لو كان أملاً غريباً أو حالماً مثل "قد الدنيا"، حتى لو كان أملاً رديئاً وعنصرياً كآمال دونالد ترامب. اليوم، وقد تبخرت الآمال أمام جبال التضخم والأسعار والقروض الدولية، تفرغ الميادين من المتظاهرين المعارضين، لكنها تفرغ من المؤيدين أيضاً. وإذا كان للمعارضين حجة غياب بدعوى الصرامة الأمنية، فإن غياب المؤيدين شبه التام يستدعي أن يوجهوا لأنفسهم أسئلة أكثر صرامة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب