الثلاثاء 2016/10/25

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

لامبالاة أخطر من العنف

الثلاثاء 2016/10/25
increase حجم الخط decrease
جاء اغتيال العميد عادل رجائي إسماعيل، أمام منزله بمدينه العبور، بعد أقل من أسبوع على مقتل 12 جندياً مصرياً في هجوم مسلح على نقطة للتفتيش تابعة للجيش المصري في شمال سيناء. ورغم أن أخبار الهجمات المسلحة في سيناء، وبشكل أقل في محافظتي الدلتا والقاهرة الكبرى، أصبحت أمراً متواتراً إلى حد الاعتياد، إلا أن العمليتين الأخيرتين تحملان دلالات مقلقة إلى حد بعيد.

فالهجوم على نقطة "زقدان"، البعيدة من مناطق نشاط الجماعات الجهادية المسلحة في شمال سيناء، أي مثلث رفح- العريش-الشيخ زويد، يكشف توسع نطاق الهجمات المسلحة للمرة الأولى إلى وسط سيناء. أما الهجوم الثاني، والذي تبنته جماعة "لواء الثورة"، فغير أن ضحيته هو أرفع رتبه عسكرية يتم استهدافها خارج نظاق العمليات في سيناء حتى الآن، فإنه كذلك يكشف استمرار ظهور مجموعات مسلحة غير معروفة في السابق، ونجاحها في تنفيذ عملياتها حتى على مشارف القاهرة.

لكن الأمر أكثر إثارة للقلق، ليس مجرد إتساع النطاق الجغرافي للهجمات، ومستويات أهدافها، وتسارع وتيرة ظهور الجماعات التي تتبناها، بل السياق السياسي لها، والذي لا يوحي بانحسار للعنف في المدى القريب. فالمقارنة بين الوضع السياسي خلال مواجهة النظام المصري مع الجماعات الإسلامية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وبين الوضع السياسي الحالي، تبيّن افتقار النظام الحالي إلى المقومات التي سمحت لنظام مبارك بالانتصار في معركته مع الإرهاب في الماضي.

فبينما تبنت جماعات جهادية كثيرة، في عهد مبارك، خطاباً تكفيرياً تجاه المجتمع كله أو معظمه، واستهدفت هجماتها، بالإضافة إلى النخبة السياسية ورجال الأمن، المناطق السياحية والأماكن العامة والمواطنين العاديين والأقباط تحديداً، بشكل ساهم في تأليب الرأي العام ضدها، فإن النظام المصري نجح حينها في ضم قطاعات مؤثرة إلى جانبه، وتجنيد المثقفين والصحافيين ورجال الأعمال والمؤسسات الدينية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في معركته المباشرة مع الإرهاب. تفاهم نظام مبارك مع جماعات الإخوان المسلمين، حول أنشطتهم الدعوية والإجتماعية والنقابية، بالإضافة إلى أنه منحهم حيزاً سياسياً محدوداً، لهم ولبعض الأحزاب الإسلامية، وبدت الأجهزة الأمينة أحياناً مستعدة للانخراط في حوار مع أعضاء الجماعات الإسلامية في السجون والخارج، وإن كان ذلك في إطار المراجعات والاستتابة. فكانت تلك التفاهمات من أكثر الاستراتيجيات فاعلية في عزل الجماعات المتطرفة، وإنكسار موجة العنف المسلح بشكل شبه كامل بنهاية التسعينات.

في المقابل، فان الجماعات المسلحة اليوم، وخصوصاً تلك التي تنشط بعيداً من سيناء، تتبنى خطاباً مغايراً لسابقاتها، لا يستهدف المجتمع إجمالاً، بل أجهزة السلطة بشكل شبه حصري، مُمثلةً في الشرطة والجيش والقضاء، وهي تتذرع بخطاب إخلاقي، تعكسه أسماؤها ذات الصبغة الثورية والوطنية: "لواء الثورة" و"سواعد مصر" و"الإنتقام الثوري".. وحتى تنظيم ولاية سيناء، الأكثر تطرفاً ووحشية، لا يعلن في بياناته تكفيراً للمجتمع بعمومه، بل يبرر مثلاً استهدافه لثلاثة قضاة في سيناء "بزجّ إخواننا في السجون". ورغم محدودية تأثير ذلك الخطاب في اجتذاب تأييد المجتمع للعنف، إلا انه بلا شك يساهم بشكل ما في تجنيد منتسبين جدد من ناحية، وتحييد قطاعات من المواطنين الذين لا يرون أنفسهم أهدافاً لعمليات العنف المسلح من ناحية أخرى.

أما النظام الحالي، فعلى عكس سابقه، يبدو عازماً طوال الوقت على اكتساب خصومة حلفائه الطبيعيين في معركته ضد الإرهاب، غير مكتفٍ بقمع المثقفين والصحافيين والعلمانيين والشباب وجمعيات المجتمع المدني، بل يلصق بهم هم أنفسهم تهم الإرهاب والعنف، لا ليرغمهم على الخروج من تلك المعركة فحسب، بل أيضاً ليسبغ عليهم وصمة الانتساب إلى الجانب الآخر من خطوطها. كذلك، فإن ابتذال النظام في استخدام أدواته الإعلامية والمؤسسات الدينية الرسمية والحركات الإسلامية المؤيدة له، إلى حد شديد التدني، كان سبباً في نزع ما تبقى لتلك الأدوات من مصداقية، ما لا يتيح لها إمكانية لعب دور ذي قيمة في معركته مع التطرف والعنف.

هكذا، فيما تبدو جماعات العنف مدركة لأهمية تحييد قطاعات واسعة من المجتمع، إن لم يكن أكتساب تعاطفها، مع إصرار النظام على تحطيم حلفائه الممكنين بالقمع أو الابتذال، فإن غالبية المواطنين الذين يصارعون بشكل يومي، تفاقم أزمات المواد الغذائية الأساسية، والتضخم، وإنهيار قيمة العملة المحلية وغيرها، يظهرون وكأنهم غير معنيين بأخبار الهجمات المتتابعة وضحاياها، في لا مبالاة، إن لم نقل أنه حياد واعٍ، هو أخطر من العنف نفسه ومن اتساع نطاقه.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها