الخميس 2015/12/31

آخر تحديث: 08:13 (بيروت)

زهران علوش، تعزية نقدية

الخميس 2015/12/31
increase حجم الخط decrease


لم ينقسم السوريون، بعد مقتل زهران علوش، بين جماعة النظام والمعارضة، إنما بين أركان المعارضة نفسها، بين شخصياتها ومستقليها وهيئاتها والمعلّقين على يومياتها. بيان الإئتلاف المعارض، وكذلك "هيئة المفاوضات"، المنبثقة عن مؤتمر الرياض، نعته رسمياً، وصفته بـ"الشهيد". ولكن منذر خدام، ولؤى حسين، اللذين شاركا في هذه المفاوضات، خرجا عن هذا "الإجماع"، ونعتا زهران علوش بـ"الإرهابي".

وعلى الوتيرة نفسها، سارت الأصوات المنفردة، وأخرجت نسخة مكرّرة عن السجال الذي تلى مقتل اللبناني سمير القنطار، بين من يراه شهيدا، وبين من لا يراه كذلك... طبعاً، ليس لهذا السجال عمق خاص، ولا فعالية. ومن منظور إيماني بحت، يمكن القول ان المتساجلين هنا، وضعوا أنفسهم مكان الله، ووزعوا عنه شهادات للجنة، على اساس ان "الشهيد"، كما في الآية الكريمة، ذاهب إليها. المعنى "الدنيوي" الوحيد لهذا التفضيل، بين "شهيد" و"لا شهيد"، هو الوفاء للرجل، لأفكاره ونهجه؛ أو لواحد من الثلاثة. هذا لكي لا نتكلم عن "الشماتة"، التي تستحق اللامعنى بامتياز، ولا يجدر حتى الإنتباه إليها.

من هذه الزاوية، النقاش حول مقتل زهران علوش، لم يرتدِ ما يليق بالرجل من صفات. الكلام الهامشي عن هذه الصفات، أتى في سياقات متناثرة، غير مؤطرة، غير "رسمية" إذا جاز التعبير، مع انها كان يمكن ان تشكل، لو كتب لصاحب الشأن الحياة، رواية حيّة عن حقبة معينة من تاريخ الثورة السورية.

كلام عن ممارسات علوش وشخصية علوش، الحاملة بذوراً إستبدادية، لو نضجت، لأسست ما هو أفظع من البعث: المحاكم الشرعية، الأقفاص المذهبية، سجون "التوبة"، إحتكار المواد التموينية، فرض نمط إجتماعي ظلامي، توصيفاته المذهبية لـ"الروافض"و"النصيرية"، خطفه لنشطاء حقوق الإنسان الأربعة، رزان زيتونة وسميرة الخليل ورفاقهن، تضييقه على النشاطين المدنيين، وربما خطف غيرهم، عمليات الضم القصري لفصائل مسلحة أخرى اضعف منه... كلها سمات، لو عنَينا المعنى "الدنيوي" للقب "الشهيد" الذي نصفه به، اننا، على الأقل، موافقون على هذا النهج، وعلى الرجل الذي يجسده.

نعلم ان الوضع "معقّد"، وان سياق "المفاوضات" لا يسمح بالخروج عن "الإجماع والتوافق"؛ أو عن الحاجة إلى تلميع صورة المنظمات الإسلامية "المعتدلة". وانه لم يكن ممكناً أفضل مما صدر، نتيجة "التوازنات على الأرض"... إلى ما هنالك من إعتبارات، بعضها مكشوف والآخر مستور. ولكن، اليساريين والليبراليين والعلمانيين، والديموقراطيين... الديموقراطيين خصوصا، الذين كان يبغض الراحل مقولاتهم، يريد ان يطحنها من مهدها، ويؤسس لنقيضها... كيف لم يخرجوا بتعزية نقدية عن تجربته الميدانية والفكرية؟ أو لم يترحموا عليه، كما علينا الترحم عل كل الأموات، ثم عددوا بعد ذلك نقاط الخلاف معه؟ فقط بوصفهم لأعماله، وخطابه وتوجهاته. حجتهم القائلة بـ"أولوية" الحرب على بشار، أو على الروس، لا تعفيهم من مهمة العزاء النقدي، ومن دون الخوف من "خطر" وضعه على لائحة الإرهاب.

تجربة اليساريين والليبراليين والعلمانيين، والديموقراطيين... مع زهران علوش تشبه تجربة  نظرائهم اللبنانيين مع "حزب الله". بعدما همّشهم هذا الأخير، ولاحقهم وقتل البعض منهم، وبعدما أشهر عن إسلاميته ومذهبيته، بقيت غالبية هؤلاء على عهدها بالوفاء لـ" الممانعة والمقاومة"، إنطلاقاً من اعتبار "أولوية الحرب ضد العدو" (الحجة نفسها لدى المعارضة السورية)؛ فأُزيحوا عن كل الأدوار، وتشتتوا وتشرذموا، ثم انقسموا انقساماً، أصبح أكثر وضوحاً بعد اغتيال رفيق الحريري (2005)، بين من مشى ضده، ومن مشى معه. وفقدوا بذلك وهجهم وأدوارهم، وانتهى بهم الأمر أن أحد "وجهائهم" من اليساريين، أخذ على عاتقه نعي سمير القنطار بصفته "شهيد المقاومة".

العلاقة التي سوف ترسو الآن بين حَمَلة السلاح الإسلاميين وبين حَمَلة الكلمة غير الإسلاميين، ستؤسس لملمح من ملامح سوريا في المستقبل القريب. والأرجح ان المؤرخين لها سوف يسجلون انها بدأت رافعة ثلاث "لاآت"، "لا للطائفية والعسْكرة والتدخل الخارجي"، وانتقلت بسرعة مذهلة الى نقيضها التام، فهُمشت هذه "اللاآت" الثلاث ومعها أصحابها، بحجة "أولوية" النضال ضد بشار أو الروس.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها