الأربعاء 2015/11/25

آخر تحديث: 08:48 (بيروت)

ساويروس: الإبن النزق

الأربعاء 2015/11/25
increase حجم الخط decrease
في العام 2010 نشرت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية، صوراً للملياردير المصري، نجيب ساويرس، واقفاً إلى جانب الزعيم الكوري الراحل، كيم جنغ إيل، وممسكاً بيده في ود، إحتفالاً بتوقيع شراكة بين شركة أوراسكوم تيلكوم المصرية والحكومة الكورية الشمالية لإنشاء شبكة المحمول الأولى في البلاد المحاصرة بالعقوبات الاقتصادية الغربية. لم تكن تلك الشراكة، ولا مصيرها، إستثناء في تاريخ ساويرس أو منهج شركاته الاستثماري المغامر. فثروة والده التي كونها بالأساس في ليبيا، إبان الحكم الملكي هناك، والنجاح الاستثنائي لاستثمارات نجيب في مجال الإتصالات في مصر المكبلة بالفساد الإداري والقمع الأمني، شجعته على التوسع، باستهداف الأسواق الأقل جذباً للاستثمارات، والأكثر مخاطرة. تمددت امبراطورية نجيب لتشمل استثمارات في مجال الإتصالات في البلاد الأكثر سلطوية وفساداً، والأقل استقراراً: أفغانستان، والعراق، وباكستان، وبوروندي، وبنغلادش، والجزائر، وروسيا، بالإضافة إلى شركات أوروبية للاتصالات، في اليونان وإيطاليا، على وشك الإفلاس.

شارك ساويرس في تأسيس شبكة المحمول الأولى في سوريا، بالطبع مع رجل الإعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد،. لكن المستثمر المصري سرعان ما أُجبر على الخروج من السوق السورية بعد رغبة مخلوف في الاستيلاء على حصته، وبعد اللجوء إلى التحكيم الدولي، انتهى الأمر بتفاهم ودي بين الإثنين، خسر فيه ساويرس حصة من أرباحه. أسس نجيب أيضاً شبكة المحمول الأولى في الجزائر، تحت حكم الجنرالات، ولم يختلف مصير مغامرته هناك عن سابقتها، وإن كان انسحابه قد استلزم وقتاً أطول، بعد اتهامات من الحكومة الجزائرية له بالتهرب الضريبي. أما في كوريا الشمالية، فإن المودة البادية مع الديكتاتور الراحل، لم تكن كافية لتشفع لنجيب أمام الوريث، كيم جنغ أون، والذي قامت حكومته مؤخراً بتضييق الخناق على استثماراته هناك.

يبدو نجيب ساويرس، وكأنه الابن النزق للرأسمالية، لكن نزقه لا ينتهي دائماً بالخسارة. فما زالت أمبراطوريته متماسكة وتنمو ببطء. وهو لا يجد غضاضة في أن يضع يده في أيدي الأنظمة السلطوية، أو أن يعاند العقوبات الاقتصادية الغربية، مطوراً البنية التحتية لدول محور الشر، وأن يقوم بالعمل في الوقت نفسه في دول تحت الإحتلال الأميركي، أو أن يغامر باستثماراته في دول تمزقها الحروب الأهلية والاضطرابات. يعمل على حواف نظام الرأسمالية العالمية، من داخله بالطبع معظم الوقت، وخارجه تماماً أحيانا أخرى، معتمداً في منهج أعماله على عقلية المقامر، مدركاً بأن رهاناته غير الضرورية يمكن لها أن تكون مجدية جداً رغم خطورتها.

نجيب هو الابن العاق أيضاً للعائلة الأكثر ثراء في مصر. ففيما اكتفى الأخ الأصغر وأغنى رجل في مصر، ناصف ساويرس، بعضوية شرفية في لجنة سياسات الحزب الوطني قبل الثورة، ونأى بنفسه مع بقية أفراد الأسرة عن التورط في اللعبة السياسية في مصر بشكل مباشر، وتحاشى الإدلاء بتصريحات إعلامية قدر الإمكان، فإن طموح الأخ الأكبر نجيب، وهو الثالث من حيث الثروة في قائمة أثرياء مصر، فلم يكتف بتأسيس قناتين تلفزيونيتين وبملكية موقع إخباري الكتروني وبحصص في صحيفة "المصري اليوم"، بالإضافة إلى نسبة تفوق النصف في شبكة "يورونيوز" الأوروبية، بل ذهب أيضاً إلى تأسيس حزب سياسي بعد الثورة.

لا يأتي الصداع الذي يسببه نجيب للعائلة، من تغريداته المثيرة للجدل وأخبار تطالعنا بها الصحف من عينة "وزير الاستثمار يشكو نجيب ساويرس لأخيه ناصف" فحسب، بل من وضعه الملتبس في لعبة السلطة في مصر وهي غير مأمونة العواقب بأي حال. يشارك نجيب في المشهد السياسي، على حواف قواعده كالعادة، وخارج نطاقاته الآمنة. فعلى خلاف غيره من معظم رجال الأعمال، هو ليس تابعاً للأنظمة ولا صنيعتها، وإن كان شريكها معظم الوقت، ولا هو خصمها، وإن كان لا يتورع عن مناكفتها.

لا يجد الملياردير القبطي غضاضة في التواصل مع الإخوان المسلمين، قبل وبعد وصولهم للحكم، وأن يعلن في الوقت ذاته عن معارضته للأحزاب الدينية. ولا يتوانى عن التبرع لصندوق "في حب مصر" وتأييد قوى 30 يونيو، وأيضاً انتقاد نظام السيسي علانية ومشروع قناة السويس، بدل المرة مرات. ويخوض حزبه "المصريون الأحرار"، الانتخابات البرلمانية على قائمة "في حب مصر" المحسوبة على النظام، ولاحقاً ينتقد منسقها ويعلن أن أعضاء الحزب في البرلمان سيعارضون التعديلات الدستورية الساعية لمنح صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية. وفيما تُشوه الثورة في القنوات التلفزيونية المملوكة لنجيب، يؤكد حزبه أن تعديل قانون التظاهر المقيد للحريات العامة هو على رأس أولوياته في البرلمان، ويدعو للإفراج عن شباب الثورة.

حصد حزب "المصريين الأحرار" النسبة الأعلى من المقاعد في المرحلة للأولى للانتخابات البرلمانية، ويتوقع له الاحتفاظ بتلك النسبة في المرحلة الثانية، ما يبرر تصريحات ساويرس عن استعداد حزبه لتشكيل الحكومة المقبلة أو المشاركة فيها، ويبرر أيضاً التلميحات الطائفية الصادرة عن الإخوان وحزب النور السلفي، بأن البرلمان المقبل هو "برلمان الكنيسة"، والحكومة التي سيشكلها هي "حكومة الأقباط". يغامر نجيب كالعادة بمقامرة غير ضرورية وخطرة، بتورطه السياسي، ومواقفه التي تضعه بين مطرقة التحريض الطائفي، وسندان نفاذ صبر النظام الحاكم من مشاكساته المتكررة.

ومع أنه من غير المتوقع أن يلعب نجيب دوراً جوهرياً في منظومة الحكم آجلاً أو عاجلاً، والأقرب أن ينتهي تورطه بخروج بأقل قدر من الخسائر كعادته، إلا أن مغامرته الحالية، والتي قد تكون الأخيرة له، ربما تكشف عن مسار تطور علاقات رجال الأعمال المتوترة، بالمؤسسة العسكرية والبيروقراطية المصرية في المستقبل القريب.. إضافة إلى إيضاح شكل منظومة الحكم وتحالفاتها الطبقية التي ما زالت في طور التشكل، وطرائق تفاوضها واحتوائها لرأس المال المحلي المرتبط بالسوق الأوسع عالمياً، أو العكس.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها