الثلاثاء 2015/10/13

آخر تحديث: 06:18 (بيروت)

من بشار الإيراني إلى بشار الروسي

الثلاثاء 2015/10/13
من بشار الإيراني إلى بشار الروسي
بوتين (ا ف ب
increase حجم الخط decrease

 

على التوالي التقى الرئيس الروسي بوتين، يوم الأحد الماضي(11 تشرين الأول)، ولي عهد أبو ظبي وولي ولي العهد السعودي، وبحسب ما تسرب من أخبار ثمة ليونة في مواقف البلدين إزاء التدخل الروسي في سوريا. الموقف الإماراتي كان متوقعاً، وراجت تسريبات صحافية من قبل عن دعم الإمارات تدخل موسكو، بخاصة عندما التقى بوتين ولي عهد أبو ظبي وملك الأردن والرئيس المصري قبل نحو ثلاثة أسابيع. الذي تخلله بعض من التغيير هو الموقف السعودي، فبحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن وزير الخارجية السعودي: السعودية ترغب في تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، ستقود في نهاية المطاف إلى رحيل بشار الأسد عن السلطة.

بيت القصيد في التصريح السابق هو استخدام تعبير "حكومة انتقالية" بدل "هيئة حكم انتقالية" كاملة الصلاحيات، بحسب التفسير السعودي المعهود لبيان جنيف1، وأيضاً الإشارة إلى رحيل بشار في نهاية المرحلة الانتقالية، لا تعني اشتراطا لرحيله الفوري، أو خلال مدة قصيرة جداً. لكن الدلالة على التقارب في الموقفين الروسي والسعودي لا تقتصر على تلك التصريحات، بل تتعداها إلى المضي في العديد من مشاريع التعاون المشترك، بما فيها التعاون العسكري في سوريا بحسب تصريح لافروف!

لقد كُتب سابقاً الكثير عن يأس خليجي من إدارة أوباما التي أدارت ظهرها لحلفائها كرمى للاتفاق النووي الإيراني، ما دفع دول الخليج إلى المبادرة تجاه موسكو لإيجاد نوع من التوازن في علاقاتها الدولية، وأيضاً محاولة منها لاستمالة موسكو وفكّ تحالفها الوثيق مع طهران. في الجانب السوري، سيكون مفيداً هنا تذكر زيارة المسؤول الأمني البارز في نظام الأسد "علي مملوك" ولقائه ولي ولي العهد السعودي في الأسبوع الأول من شهر يوليو الفائت. فبحسب ما سرّبته وسائل الإعلام السعودية عُرضت عليه مقايضة مفادها انسحاب ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى من سوريا، مقابل وقف السعودية دعمها المعارضة. المطلب الذي عدّته الأوساط السعودية إحراجاً لنظام الأسد أمام موسكو، تستطيع الأخيرة القول بأن تدخلها يحققه الآن. فبشار المرتهن تماماً للحرس الثوري الإيراني لم يعد كذلك بعد أن أصبح في عهدتها. تستطيع موسكو أيضاً تأييد مزاعمها بأنها بدأت فعلاً بتفكيك ميليشيات الدفاع الوطني، وهي ذراع إيران في سوريا، وبأنها الآن هي التي تدير غرفة العمليات العسكرية من دون مشاركة الحرس الثوري.

ما تبيعه موسكو هو التالي: لقد جربتم بشار الإيراني، ولم يكن مسموحاً لكم إسقاطه، بل رأيتم كيف تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة، إذاً عليكم المفاضلة بين بشار الإيراني وبشار الروسي. مع بشار الروسي تتخلصون من التبعات المرهقة للصراع الشيعي السني، من دون أن تخسروا شيئاً بما أن سوريا لن تكون لكم ولن تكون لإيران. هو أيضاً ذاته ما تبيعه موسكو لإسرائيل، فموسكو الممسكة تماماً بالنظام، والتي تربطها علاقة ممتازة بتل أبيب، أفضل للأخيرة من طهران، وقد لا تحتاج مع وجود ضمانة روسية أكيدة إلى قصف شحنات أسلحة تشك في وجهتها. تل أبيب التي لا تريد إيران على حدودها، وتخشى سيطرة جماعات متطرفة على الجانب السوري من حدودها، لا يُستبعد أن ترى في الجار الروسي الجديد حلاً أمثل حالياً.

غير أن ما تسوقه موسكو إقليمياً لا يملك القيمة ذاتها سورياً. فالسوريون لا يضعون أنفسهم أصلاً على خط الصراع السني الشيعي في المنطقة، لسبب بسيط هو أن عدد الشيعة في سوريا هو من التواضع بحيث لا يثير أدنى مشكلة. المشكلة بدأتها إيران عندما وضعت السوريين في خانة أعدائها السنّة. بخلاف لبنان والعراق، لا تملك إيران في سوريا قاعدة مذهبية تمكّنها من بسط نفوذ مستدام. ولم يكن السوريون عموماً ينظرون إلى طهران وحزب الله كعدو قبل أن يضعا ميليشياتهما في هذا الموقع. أي أن القضية السورية منفصلة إلى حد كبير عما يسمى صراعاً سنياً شيعياً في المنطقة، وإن تحولت سوريا إلى ساحة معركة لذلك الصراع فهذا لا يحجب الصراع الأصل، وهو صراع داخلي على نوعية السلطة وعدالة تمثيلها. حتى المسألة الطائفية في سوريا يصعب إدراجها ضمن الصراع الطائفي الإقليمي على المدى البعيد، لأن المظلوميات الأقلوية السورية التاريخية لا تتغذى من فكرة الثأر المقدس المرتبطة بحرب يزيد والحسين.

الجانب الأهم هو أن السوريين غير معنيين بالفوارق التي تريد موسكو ترويجها بين بشار الإيراني وبشار الروسي. مشكلة السوريين هي مع بشار الكيماوي وبشار البراميلي... إلى آخر ما هنالك من أصناف الأسلحة التي استخدمها ضد إرادتهم. ولو أصبح بشار الأسد غداً أمريكياً أو سعودياً أو إماراتياً، على سبيل المثال، لما انتفت المشكلة ولن يتوقف سعيهم إلى التغيير. والحل الذي يطالب به السوريون، وإن بدأ برحيل بشار فهو لا يتوقف عنده، هو الحل الذي يضمن حقوقهم وكراماتهم التي لا ينبغي أن يُنتقص منها في أية تسوية دولية أو إقليمية. إذا كان النظام قد أصبح وكيلاً للاحتلال الإيراني والروسي على التوالي فالسوريون لم يرهنوا إراداتهم على نحو ما فعل النظام، ولا تستطيع أية قوة إقليمية أو دولية المباهاة بسيطرتها عليهم، حتى إذا سيطرت على بعض أطر المعارضة أو بعض الفصائل المقاتلة على الأرض. نعم، يحدث في أية حرب أن يكون هناك تقاطع في المصالح، ويحدث أيضاً أن تفترق مصالح الحلفاء، وربما لا يرى بعض القوى الدولية والإقليمية ضرراً في منح موسكو مهلة لاختبار النوايا. السوريون لا يملكون ترف الانتظار، فهم قد خبروا نوايا موسكو منذ بدء الثورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها