الخميس 2015/01/15

آخر تحديث: 23:45 (بيروت)

كارثة الرئاسة العربية!

الخميس 2015/01/15
increase حجم الخط decrease

آخر ابدعات الرئاسة في البلدان العربية، ان الرئيس السوداني عمر البشير المنتهية ولايته، والبالغ من العمر واحداً وسبعين عاماً، قدم الى مفوضية الانتخابات في السودان اوراق ترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان من العام الحالي، وسط اعتقاد سوداني عام، بان الترشح والانتخاب، كلاهما عملية روتينية، نتيجتها المؤكدة، ان البشير سيكون رئيساً للسودان في الفترة القادمة، وهو امر دقع مواطن سوداني للتعليق على خبر ترشيح البشير قائلاً: "مش عارف ليه كل المصاريف دى لزوم الانتخابات.. الحكومة تطلع بيان بالموافقة على تعيين البشير لرئاسة ابدية..".


تجربة الرئيس البشير في رئاسة السودان عمرها خمس وعشرون عاماً متواصلة، بدأها في انقلاب عسكري، حمله الى سدة الرئاسة في بلد من أكبر واغنى بلدان العالم العربي في افريقيا، والاهم في خلاصة عهده، هو انقسام السودان الى بلدين متعاديين متحاربين، وبينهما مشاكل من الصعب حصرها وحلها، وقد شهد السودان في عهده حروباً داخلية واسعة، لم يكن الجنوب مسرحها فقط، بل اقليم دارفور في الشمال الغربي، وفي الحرب الاخيرة، وقع اكثر من ثلاثمائة الف قتيل في السنوات العشر الماضية حسب تقديرات الامم المتحدة، وفي عهد البشير صار السودان بين اكثر البلدان، التي تعصف بها الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنزاعات من كل لون ومستوى، واضافة الى ما سبق، فان الرئيس البشير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حـــــرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة في دارفور غربي السودان.

كارثة الرئاسة العربية، ليست مقتصرة على السودان، بل هي قائمة في أكثرية البلدان، حيث رؤوساء خلفوا كوارث على بلدانهم ومآسي في حياة مواطنيها، فحكموها بالحديد والنار، وحولوها الى ركام، وجعلوا اهلها مشردين وفقراء عبر شعارات فارغة من مضمونها، ومعادية لشعوبهم في جوهرها، والامثلة حاضرة في العراق واليمن وليبيا والجزائر، وسوريا، وكلها امثلة ليست على سبيل الحصر.


الاكثر مأساوية في تجربة الرئاسة العربية، هي تجربة بشار الاسد في سوريا، وقد تولى السلطة في العام 2000، عبر انقلاب ابيض خليفة لابيه بعد موته حاكماً مطلقاً ومستبداً لسوريا طوال اربعين عاماً. فتم تغيير بعض محتويات الدستور لاجله، وجرى انتخابه في عملية نتائج النجاح فيها مؤكدة عبر استخدام كل اساليب الاكراه والترغيب، وهو ما تكرر عند ترشيحه لفترة الرئاسية الثانية عام 2007، وقد حاول في الفترتين الظهور بمظهر الرئيس العصري، رغم فساد بطانته، واستخدامة آلة القمع الناعم ضد الشعب وضد معارضيه.

وعندما اطلق السوريون ثورتهم من اجل الحرية، كشف بشار الاسد عن طبيعته الدموية، فذهب ونظامه الى الاقصى في استخدام العنف والتشريد والدمار ضدهم، فقتل مئات الآف، واكثر من ضعفهم سجنوا واختفوا قسرياً، واوقع مئات آلاف الجرحى جلهم اصيب بعاهات دائمة، وتم تعطيل حياة وتشريد اكثر من ثلاثة عشر مليوناً من بيوتهم واماكن سكنهم، بينهم نحو خمسة ملايين سوري صاروا لاجئين في دول الجوار والابعد منها، وترافق مع المجزرة والكارثة البشرية، تدمير شامل للبنية الاقتصادية الانتاجية والخدمية، وتدمير مؤسسات الدولة السورية بما فيها المؤسستان الامنية والعسكرية، اللتين زجمها الاسد في الصراع ضد السوريين، فخلف فيهما انشقاقات وقتلى وجرحى، يتجاوز عددهم ثلثي عدد المؤسستين، حسب اكثر التقديرات رجاحة.

خلاصة ما قام به الاسد ونظامه من جرائم في السنوات مابين 2011 و2014، والتي دمرت الدولة والمجتمع في البلاد، وفتحت الابواب امام كل التدخلات الخارجية، ولاسيما تلك المؤيدة للنظام من روسيا وايران ومليشات حزب الله اللبناني الى المليشيات العراقية، وصولاً الى دخول قوى التطرف والارهاب من قيادات وكوادر القاعدة الذين بلوروا على الارض "داعش" وجبهة النصرة وغيرهما، لم يمنعه من ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة في العام 2014، وبدا من الطبيعي لنظامه ان يتولى عملية انجاحه وشرعنة رئاسته، كما حدث في السابق بغض النظر عما حصل في البلاد في أكثر من ثلاث سنوات.

مسار الرئاسة في سوريا، وان كان الاكثر قسوة ووحشية في المسارات العربية الاخرى، فانه ليس أكثر من مثال على تلك المسارات، التي تكررت في اكثر من بلد في العقود الماضية، والتي كان يمكن ان تذهب في المسار نفسه، لو ان شعوب تلك البلدان، قامت بما قام به السوريون من مطالبة بالحرية والتغيير، واصرت على تلك المطالب.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها