الأربعاء 2013/09/18

آخر تحديث: 00:41 (بيروت)

الكيماوي مقابل ارواح السوريين

الأربعاء 2013/09/18
increase حجم الخط decrease
بعد ما يزيد عن ثلاثين شهراً من الصراع المسلح في سوريا وصل الطرفان إلى حدودهما النهائية عسكرياً. لجأ كل طرف إلى كل ما لديه من وسائل، لم تستثن منها أسلحة الدمار الشامل، دون التمكن من حسم الصراع. جند كل طرف أقصى ما يستطيع من الأنصار، لم يستثن منهم المراهقين، ولم يتمكن من حسم الصراع. استعان كل طرف بكل ما لديه من داعمين خارجيين، ولم يتمكن من حسم الصراع. إلى أن أصبحنا اليوم أمام معركة استنزاف طويلة الأمد، لا يبدو أن لأي من طرفيها أفضليات عسكرية وسياسية تمكنه من الحسم، ولو على مدى أطول. حتى السيطرة على دمشق بعد كل ما جرى لا تعني نهاية هذا الصراع بأي حال. ومن غير المستبعد، إذا استمر الصراع على حاله دون تحولات درامية، مثل حدوث تدخل عسكري خارجي حاسم أو انهيار مفاجئ في النظام، أن يتم تبادل السيطرة على دمشق. 
وحين يصل الجهد العسكري إلى أقصاه دون أن يتمكن من الحسم، ينفتح الباب أمام المزيد من الانحطاط السياسي. ومن هذا الانحطاط السياسي ما نراه من نزوع طائفي عدمي على ضفتي الصراع. ومنه الإيغال في الوحشية تجاه أنصار كل طرف من طرفي الصراع. ومنه أيضاً الميل التعميمي والنفور المفرط من النقد إلى حد الميل إلى الانغلاق واكتفاء كل طرف بحقائقه. 
لم تتمكن الثورة السورية أن تحافظ على نفسها كثورة حرية، وتحولت تحت ضغوط شتى، منها الداخلية ومنها الخارجية، إلى نزوع سلطوي مضاد. الأمر الذي شكل نكسة فعلية لمسار صعود الثورة. نقصد بالضغوط الداخلية، الضغوط من داخل الثورة نفسها، ولاسيما ما يتعلق بطبيعة الفكر السياسي الإسلامي، والسلفي بالتحديد، الذي غلب على مكوناتها فغطى على أصل الصراع التحرري ناقلاً إياه إلى دائرة الصراع المذهبي بما يتماشى مع خط صراع شيعي-سني يرتسم في كامل المنطقة منذ فترة تسبق اندلاع الثورة السورية. ونقصد بالضغوط الخارجية، الضغوط من خارج الثورة. أكان هذا الخارج معادياً مباشرة كالنظام الذي مارس شتى الوسائل العسكرية والسياسية لدفع الثورة إلى الدائرة التي صارت فيها بغرض تشويه طبيعتها والتعمية على مبدئها الأساسي الذي هو التحرر من الاستبداد. أو كان هذا الخارج مؤيداً كالدول المعتبرة في عداد الدول الداعمة للثورة مثل دول الخليج وتركيا وأمريكا وغرب أوروبا. هذه الدول التي استغلت حاجة الشعب السوري وغضاضة التعبيرات السياسية المنبثقة عن الثورة كي تمارس شتى سياسات الإلحاق والسيطرة، ما أسبغ على الجسم السياسي الذي تنطح لمهمة التعبير عن الثورة صورة التابع الذي لا يملك من أمره شيئاً، والذي يراعي مصالح داعميه أكثر مما يراعي مصالحه. 
وكما كان من السهل على أنصار المعارضة أن يجدوا ما يعيب النظام وأنصاره، بات يسهل على أنصار النظام أن يجدوا ما يعيب المعارضة وأنصارها. وصار لكل طرف من الحقائق العسكرية والسياسية ما يشكل له زاداً يكفيه لحرب طويلة الأمد. غير أن هذا المسار انعطف فجأة عقب كيماوي الغوطة في 21 آب الماضي. فوجد النظام نفسه مباشرة أمام آلة الحرب الأمريكية التي ظلت هاجسه طوال فترة الصراع، ولنقل طوال فترة حكمه. وفجأة تبين للنظام أن معادلة العدو الحليف باتت مهددة. وأن العدو الأمريكي يمكن أن يغدو عدواً بالفعل. فاستجاب للخطر تماماً كما فعل بانسحابه من لبنان في نيسان 2005 حتى قبل اكتمال المهلة التي حددتها له أمريكا. كانت البوصلة الدائمة للنظام السوري هي الحفاظ على الصيغة التي أثبتت فاعليتها على طول الخط، وهي صيغة العدو الحليف مع أمريكا.
ومهما يكن صحيحاً القول إن النظام السوري بات شبيهاً بجثة تمشي على قدمين، وإنه على مسار سقوط بطيء، فإن المبادرة الروسية أعطت النظام جرعة إضافية سوف تمكنه على الغالب من بلوغ موعد انتخابات 2014، دون الاكتراث بأعداد القتل اليومي "التقليدي" التي يحتاجها النظام لبلوغ ذاك التاريخ.
بالمحصلة اشترت أمريكا السلاح الكيماوي السوري (وهو بداهة ملك الشعب السوري وجزء من توازن الرعب مع إسرائيل النووية) بأرواح أطفال وأهالي الغوطة في دمشق. بعيداً عن أي اعتبار لما ضحى من أجله الشعب السوري على مدى ثلاثين شهراً من أشد ما يمكن أن يواجهه شعب قسوة وظلماً. ولم يكن لآمال السوريين حضور في حسابات الشاري (أمريكا) أو البائع (النظام) أو الوسيط (روسيا) أو صاحب المصلحة النهائية (إسرائيل). 
 
increase حجم الخط decrease