الإثنين 2013/06/03

آخر تحديث: 20:50 (بيروت)

متى يصبح التقسيم واردا ؟

الإثنين 2013/06/03
increase حجم الخط decrease
 على خلاف الكثير من التحليلات السياسية الرائجة اليوم، لا يبدو أن النظام يتجه إلى الانكفاء على نفسه والاكتفاء بمناطق يستطيع فرض سيطرته عليها، أي المناطق التي يغلب فيها العلويون سكانياً. ورغم كثرة الحديث عن هذا المنحى وتحليل الكثير من التفاصيل السياسية والعسكرية على هذا الضوء (حتى أن هناك مقالات تذهب إلى أن النظام يخطط لهذه الخطوة منذ زمن طويل سابق لاندلاع الثورة السورية في آذار 2011)، لا يحمل الواقع ما يسند حقاً هذه التحليلات. فالمناطق التي تُعتبر ذات أغلبية علوية وتشكل ركيزة للنظام، باتت، بفعل النزوح، تضم أعداداً كبيرة من السنة وصلت في منطقة طرطوس وبانياس واللاذقية إلى حوالي المليون نازح حسب تخمينات الهلال الأحمر، الأمر الذي عدل في التركيبة الديموغرافية للمنطقة. ولم يعمل النظام بأي شكل على عرقلة وصول هؤلاء  النازحين إلى الساحل، على العكس من ذلك كان يميل إلى امتصاص حركتهم واستيعابهم بغرض التقليل من أعداد المهاجرين إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة بما يشكل عبئاً سياسياً ضاغطاً على النظام.
كما أن مناطق الساحل ضعيفة إلى اليوم بالتعزيزات العسكرية التي يفترض أن تكون كثيفة إذا كانت الإجراءات الواقعية سوف تتماشى مع فكرة السعي لإقامة كيان محدد فيها. على العكس، أقدم النظام على تشكيل ما سماه "جيش الدفاع الوطني" الذي نشأ عما كان يسمى "اللجان الشعبية" والتي كانت تشكيلات شبه عسكرية وشبه رسمية تعود قيادتها إلى شخصيات مقربة من النظام (من عظام الرقبة) وتضم نسبة ساحقة من أبناء الطائفة العلوية من العاطلين عن العمل أو الموظفين الطامعين بدخل إضافي، حيث يصرف للموظف الملتحق بهذه اللجان راتب آخر يضاف إلى راتبه الوظيفي. وكانت هذه اللجان تعمل على مساندة الجيش وإقامة حواجز على الطرقات لحماية القرى والبلدات من عناصر المعارضة المسلحة التي يزعم النظام ويُقنع الأهالي، مستفيداً من فوضى إعلامية عامة أعمت على الحقيقة، أنها تهاجم المدنيين على أساس طائفي. وبعد أن أضفى النظام على هذه التشكيلات صفة رسمية على أنها قوات محلية ليس لها مهام خارج مناطقها، مما شجع المزيد من الشباب على الانضمام إليها، جرى نقل الكثير منها للمشاركة في معارك في مناطق بعيدة، مما أفرغ الساحل تقريباً من العنصر الشاب، بما لا يتماشى مرة أخرى مع مسعى الانكفاء والتراجع إلى حدود ما يفترض أنه سيكون دولة علوية.
ما زال النظام، مستنداً إلى دعم "أصدقاء حقيقيين" حسب كلام الأمين العام لحزب الله اللبناني أحد أهم هؤلاء الأصدقاء، يتكلم عن انتصار وعن تطهير سوريا، ويقدم نفسه على أنه (النظام السوري) مقابل معارضة لم تتمكن أن تجمع كلمتها بعد أكثر من سنتين على اندلاع الثورة في سوريا. واليوم يكتسب أنصار النظام معنويات إضافية على وقع تقدم قواته في القصير في حمص بمساعدة من مقاتلي حزب الله اللبناني، وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية التركية التي تحرج حكومة أردوغان، أحد أهم داعمي المعارضة السورية. 
المتوقع أنه مهما كانت ضيقة أو واسعة الأرض التي سيبقى النظام السوري مسيطراً عليها فإنه سوف يوطد نفسه فيها معلناً انها جسر انطلاق "لتحرير" باقي سوريا. وقد يضطر إذا ضاقت به الأرض والسبل أن يستعير ممراً يوفره له حزب الله، كما تناقلت أخبار مسربة، للربط بين العاصمة وبين الخزان البشري الداعم للنظام في منطقة الساحل عبر الأراضي اللبنانية، من سهل البقاع في لبنان عبر منطقتي البقاع الشمالي والهرمل إلى منطقة غرب حمص، ومنها إلى الساحل السوري. أي أن النظام ليس في وارد التخلي عن العاصمة بأي ثمن، حتى الآن، مما يبين ضعف التحليلات السياسية التي تذهب إلى أن النظام صار يسعى إلى دويلة علوية، وأن هذا هو الموجه الاستراتيجي لعملياته العسكرية.
ويبقى في كل حال للدول الإقليمية، ولاسيما إيران صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا اليوم، كلمتها أيضاً. فمن غير الوارد أن تسلم إيران بخسارة نفوذها في سورية حتى لو أدركت عجز النظام عن استعادة سيطرته على البلاد. في هذه الحال قد تدفع إيران إلى التركيز على المناطق التي يمكن الحفاظ عليها، وتوظيف العنصر الطائفي في هذه المناطق، عبر تجنيد أبنائها في ميليشيات مسلحة، بهدف شن حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الحكم الانتقالي الذي يمكن أن ينشأ على المناطق المحررة من سيطرة النظام. عندئذ يتخذ الصراع بالفعل منحى تقسيمياً لا يزال غائباً عنه إلى اليوم. 
 
increase حجم الخط decrease