السبت 2015/10/03

آخر تحديث: 12:45 (بيروت)

هكذا تروي مراسلات البث المباشر "حراكهن" المدني..

السبت 2015/10/03
هكذا تروي مراسلات البث المباشر "حراكهن" المدني..
من اعتصام لمجموعة "طلعت ريحتكم" (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
تقييم الأداء الإعلامي للمؤسسات التلفزيونية خلال تغطيتها انطلاقة الحراك المدني ومحطاته اللاحقة، أوجزه "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع"، خلال اجتماعه قبل يومين، بتوثيقه لما اعتبرها مخالفات من جانب المؤسسات التي قامت بتغطية شاملة لمختلف التحركات، فيما رأى إنّ بعض القنوات استخدم الهواء السياسي لدعوة المواطنين إلى المشاركة في التحركات، ما وصل إلى مشاركة في صناعة الحدث، ما يتناقض مع كونها مبدئياً ووفقاً للقانون تنقل الحدث ولا تصنعه، وذلك إلى جانب اعتبار المجلس أن "تسمية بعض الرموز السياسية هو أمر خاطىء"، واضعاً هذا الأمر في إطار "التورط في بث أخبار غير دقيقة وشائعات تثير البلبلة".

وعلى الرغم من أن تحفّظ المجلس على جوانب من تغطية القنوات التلفزيونية للحراك، له ما يسانده ويبرز معناه في وقائع ومدلولات (فاضحة أحياناً) بدت جلية على الشاشة، غير أن بعض ملاحظاته لم يخرج، بطبيعة الحال، عن سياق رؤية السلطة ومواقفها تجاه الحراك ومطالبه وتحركاته، إذ هو جزء من المنظومة والتركيبة القائمة بفعل موقعه المؤسساتي في الدولة.

غير أن انتقال الحراك إلى مرحلة جديدة، أنتجت نقاشاً سياسياً وإعلامياً يبني على ما سبق، فإن هذا ما يدفع إلى التوقف عند أسلوب وطبيعة التغطية التلفزيونية للتظاهرات والاعتصامات التي شهدتها بيروت خلال الأسابيع الماضية وتفكيك عناصرها ومعانيها، على غرار ما فعل المجلس الوطني للإعلام، إنما من خلال أصحاب التغطية الميدانية ممن تواجدوا في قلب الحدث وعاينوا المشهد عن قرب. ذلك أن تشريح الأداء الإعلامي في تعاطيه مع الحراك راهناً، يشكّل فرصة لقراءة اللاحق منه من زاوية أوضح، وإن اختلفت الظروف والمعطيات.

حملت "المدن" مجموعة من الأسئلة و الاستفسارات والملاحظات إلى أربع مراسلات كنّ على تماس مباشر مع الحراك وتحركاته، ونقلت إليهن أبرز الانتقادات التي طاولت أسلوب تعاطي القنوات مع هذا الحدث والإشكاليات المهنية التي تم لحظها ورصد معالمها على الشاشة. فكان الحديث مع كل من نانسي السبع من قناة "الجديد"، وندى أندراوس عزيز من "إل بي سي"، وليندا مشلب من قناة "إن بي إن"، ورونا حلبي من "إم تي في".

أحداث موازية
غالباً ما كان المشاهد والمتابع للتغطيات الميدانية للحراك، يلحظ ما يمكن تسميته بـ"هاجس" البحث عن تفاصيل وأحداث جانبية لتحويلها إلى حدث مواز يكسر ملل فتح الهواء لساعات طويلة، حيث يركّز المراسل حيناً على الشعارات المرفوعة ومضمون اليافطات والرسائل الكامنة خلفها، ويذهب أحياناً أخرى للإضاءة على حوادث التصادم والاشتباك بين المتظاهرين وقوى الأمن أو في المقابل التركيز على "سلمية التظاهرات" والتعبير بأسلوب راقٍ. وهو الأمر الذي تؤكّد عليه مراسلة "إل بي سي" ندى أندراوس، التي تشير إلى أنه "يجب عدم إغفال أي تفصيل، إذ إن بعضها مهم ويحمل رسائل معبّرة ما يجعلها تتحول إلى حدث بحد ذاتها". غير أن مراسلة "الجديد" نانسي السبع تلفت إلى أنّ "المراسل لا يحضّر سلفاً ما سيتم الإضاءة عليه أو يعمد لقولبة قصص لافتعال حدث معيّن، فالتفاصيل هي التي تفرض نفسها، وما على المراسل سوى التصويب عليها في حال كانت ملفتة"، وهو ما تتفق معه رونا حلبي من "إم تي في"، إذ ترى أنّ "النزول إلى الأرض لتغطية الحراك كان من شأنه تغيير كل الأفكار المسبقة والخطط المحضرة لكيفية التعاطي مع التظاهرات، حيث أن كثير من المعطيات والجوانب تفرض نفسها على الأرض".

رؤية مختلفة تقدمها مراسلة "إن بي إن" ليندا مشلب، لاعتبارها أن "المراسل المحترف وصاحب الخبرة الطويلة، يدرك تماماً كيف يظهّر الحدث للمشاهدين"، وعليه، فهي ترى أن "النزول إلى الأرض يرتبط بهدفين: الأول نقل الحدث بكافة حيثياته، ومن ثم البحث عن الزاوية المنوي الإضاءة عليها، مثل البحث عن ثغرات لجعل المشاهد يعرف أن الأمور ليست كلها كما تظهر على الشاشة. بالتالي يصبح على المراسل أن ينقل للناس ما لا يمكنهم رؤيته أو التقاطه، لذلك عليه أن يكون بمثابة عين كاميرا وعين تحرٍّ وعين خبير". كما تشير مشلب إلى أن "الإضاءة على الوجه الآخر للتظاهرة ونقل أبرز ما لفتنا فيه هو أمر أساسي، مثل طغيان النَفَس اليساري، أو وجود مجموعة تقود بالحراك نحو اتجاه مختلف، وذلك إلى جانب ضرورة البحث في هوية وتاريخ الوجوه البارزة في الحراك".

بين النقل المباشر من الشارع وسياسة القناة
التواجد بين مجموعة متنوعة من الناس على الأرض، قد يفرض أولويات البحث عن المعاني الرئيسية للحراك التي تخدم حق التظاهر ورفع الصوت عالياً، فيما يمكن أيضاً أن تدفع للسؤال عن إيلاء سياسة القناة الأهمية الكبرى، بحيث يظلل موقف القناة من الحراك أو رموزه تغطية المراسل على الأرض، فيعمد بذلك إلى إلقاء الضوء على أمور محددة أكثر من غيرها أو ربما دون غيرها. تعلّق مشلب بالقول إنّ "الحراك كشف المراسلين، فالجميع كانوا يتكلمون باسم سياسة محطتهم"، لكنها تعود وتشير إلى أن "سياسة المحطة تحكم عمل المراسل في واقع الحال، لكن يبقى على المراسل أن يختار الزاوية التي تنسجم بين ما يراه على الأرض وبين ما يتناسب مع السياسة التحريرية للقناة التي يمثلها ويتحدث باسمها". وتضيف: "من هنا رأينا كيف أن بعض القنوات لم يكن يركّز سوى على السلطة الفاسدة، وعلى فكرة أن الحراك سيقلب السلطة ويغيّر الوضع، فيما استحوذت هذه الأفكارعلى انتباه الناس ونزلوا إلى الشارع على هذا الأساس. لكن إذا ما أراد بعض المراسلين أن يأخذوا بالاعتبار المرجعية السياسية للقناة يتحول الطرح هنا للسؤال عن ماهية الشعارات المطروحة ومن يقف خلفها؟ ومن يريد إسقاط النظام؟ ولماذا لم نسمع بهذه الشعارات في السابق؟".

من جهتها تؤكّد نانسي السبع أنه "ما من قائمة توجيهات تحكم تغطية الحراك منذ إنطلاقه وإلى اليوم"، مشيرة إلى "الجديد" لم تعقد أي اجتماع تحرير لتوجيه المراسلين بهذا الشأن، وأن المتابع سيلحظ من خلال أسلوب التغطية ماهية سياسة المحطة وموقفها من الحراك. وتضيف السبع أنه لا يمكن لـ"الجديد" ألا تختار الوقوف إلى جانب المتظاهرين، لإنها إن فعلت ذلك لن تشبه نفسها خصوصاً وأن المطالب التي رفعها المتظاهرون، هي نفسها المطالب التي تأسست عليها القناة مثل محاربة الفساد وفصل الدين عن الدولة.

الأمر يختلف في "إم في تي"، إذ إنه "يصعب التحكم في ما سيظهر على الشاشة خلال عملية النقل المباشر، حيث تظهر الأمور على حقيقتها"، تقول رونا حلبي، وتشرح أن اختيار ما تريد المحطة إلقاء الضوء عليه بشكل مركّز يتم من خلال التقارير الإخبارية حيث تتاح فرصة اختيار المشاهد وصور الشعارات ولقطات أخرى، ووضعها في السياق المطلوب". لكن هذا الأمر تحاول ندى أندرواس تفاديه، إذ تكثف جهودها، خلال التغطية الميدانية، لإبراز "ما يخدم الحراك ويتواءم مع معانيه وأهدافه"، وهي بذلك تفضّل تصويب الصورة على "أصحاب النداءات المحقة والصادقة، وليس على من نزل ليقطف على حساب التظاهرات".

فتح الهواء للجميع؟
تتفق المراسلات الأربع على مبدأ عدم فتح الهواء المباشر لكل الناس، غير أن أسلوب التعاطي مع هذا الأمر يتفاوت بين قناة وأخرى. ففي حين ترى أندراوس أن الخبرة تكفي للتمييز بين من هو أهل للتكلم على الهواء، توضح أنه "لا يمكن فتح الهواء لمن يتكلم بشكل معيب أو في ما ليس له علاقة بأهداف التظاهرة، أو لأصحاب الغايات المشبوهة، ممن أتوا لتخريب صورة الحراك"، وهو المبدأ عينه الذي تنطلق منه نانسي السبع عند تواجدها بين الناس، محذرة من "خطر النقل المباشر" إذ "هناك مسؤولية على الأرض، هي أبعد من كوني مجرد مراسل وصحافي ينقل ما يجري، وإن كان من المراسلين الآخرين من يستسهل مقابلة أي كان، لاعتباره أنه ينقل الواقع كما هو".

لكن هل يصل الأمر في هذه الحال إلى مقاطعة هؤلاء الأشخاص وإبعاد الكاميرا عنهم؟ تؤكّد السبع على ضرورة فعل ذلك والاعتذار من المشاهدين، وتذكر بمقابلتها مجموعة من الأشخاص كانوا يسحبون المعتصمين عن الطعام من أمام وزارة البيئة، إذ توجهت إليهم لتسأل عن هويتهم والتحدث إليهم معتقدة أنهم عناصر أمنية بثياب مدنية، لتفاجأ بأنهم عناصر مؤيدة للرئيس نبيه بري، ما اضطرها إلى قطع الرسالة معهم والاعتذار من المشاهدين.

وإذ تحذّر ليندا مشلب من مقابلة "أصحاب الأحقاد الشخصية" ومن القنوات التي تخصص مساحة لهم، تؤكّد أن "خبرة المراسل على الأرض، تترجم بشكل جلي في كيفية التعاطي مع الناس، من دون إغفال المسؤولية تجاه الوطن والشعب والمهنة، والتنبه إلى ما قد يثير الفتنة أو يؤججها". بينما ترى رونا حلبي أن "الهواء لا يمكن ضبطه بالمعنى الحرفي"، لكن ما تحرص على فعله خلال تواجدها بين الناس "هو التذكير مراراً بأن الآراء الصادرة عن البعض تعبّر عنهم ولا تمثل سياسة القناة، بل وحتى الحراك في بعض الأحيان".

"كلّن يعني كلّن"؟
لم يكن بعض الشعارات والهتافات التي أطلقها ورددها المتظاهرون، على غرار "كلن يعني كلن"، هو فقط ما أربك وسائل الإعلام خلال تغطيتها التظاهرات والتحركات على الأرض، خصوصاً أنها تخطّت المطالب المعيشية لتصوّب سهامها نحو الجانب "المحظور"، إثر قرارها محاسبة "الزعماء والسياسيين" دون استثناء، فيما شكّلت اللافتات واليافطات التي حملها بعض المتظاهرين وتضمنت صور الزعماء مرفقة بعناوين "الفساد" و"الإجرام"، مادة إشكالية، انقسمت حولها أساليب التغطية بين قناة وأخرى وتفاوتت بين الإظهار أو التجاهل.

"في هذه الحال، يختلف هامش الموضوعية من صحافي لآخر، فهناك بعض المراسلين اضطر للتعاطي مع هذا الأمر من منطلق توجيهات أعطيت لهم من قبل إدارة المحطة التلفزيونية"، تقول ليندا مشلب. وبالنسبة لقناة "إن بي إن"، فإن "التعاطي مع هذه اللافتات يكون بالتعتيم، إذ أن كل قناة تمارس سياسة التعتيم والإضاءة على بعض الجوانب. بالتالي لا يمكن أن نقوم في "إن بي إن" بتصوير وعرض اللافتات التي تتضمن شتائم أو انتقادات للرئيس بري وتقديمها على الشاشة لجمهورنا".

تتفق نانسي السبع  مع مشلب على ضرورة "التعتيم" على هذا النوع من اللافتات، لاعتبارها أن "مكانها ليس في هذا الحراك، وليس من حق حاملها أن يعرّض الحراك للخطر، بل إنه يعرّض أيضاَ المراسل الذي يعرضها للخطر أيضاً". وبرأي السبع فإن "المعركة ليست مع الصور، انما مع كثير من الأمور التي هي أعقد من ذلك".

في المقابل ترفض ندى اندرواس تجاهل عرض هذه اللافتات، إذ إن "نقل واقع التظاهرة يستوجب تصويرها، كما أننا في نظام ديموقراطي، حيث يحق للمتظاهرين التعبير بطريقتهم، ذلك أن الزعماء والسياسيين ليسوا قديسين، فيما هناك فرق بين إبراز الحجة والدليل على تورط الطبقة السياسية بالفساد، وبين التهجم الشخصي على الزعماء"، على ما تقول. لكن رونا حلبي ترى بأنه "وإن كانت هذه اللافتات تضر بالحراك على ما أشيع، إلا أن مجرد حملها من قبل البعض، وتعرضهم للاعتداء من قبل مناصري الرئيس بري، حوّلها إلى حدث بحد ذاته، لا يمكن التغاضي عنه". وعليه، "نحاول في إم تي في نقل الصورة كاملة، رغم صعوبة هذا الأمر، لكننا في الوقت عينه  نفضّل الإضاءة على الرأي الآخر، للوقوف على أسباب رفضه هذا النوع من اللافتات أو اعتبارها مضرة بالحراك".

الاشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن
اختلفت تغطية الاشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في أكثر من تظاهرة واعتصام بين مختلف القنوات التلفزيونية، كل بحسب موقفه من الحراك والمطالب التي ينادي بها. فيما كان  البحث عن الموضوعية على حساب تغطية الساعات الطويلة، بما فيها لحظات الصدام والتدافع والاعتداءات بالضرب، من أصعب ما يمكن العثور عليه، وإن رفعت معظم القنوات شعار "نقل ما لنا وما علينا"، غير أن البعض آثر تحويل هذه الاشتباكات إلى محور التغطية، من دون نقل جوانب أخرى من الصورة، وهو ما وصفته رونا حلبي بفعل "تضخيم الواقع"، شارحة كيف أنها خلال تواجدها بين المراسلين على الأرض، استوقفها "ما كان يقوله البعض خلال رسالته على الهواء، فيما المشهد عن قرب مغاير تماماً". ولذلك تحرص، من جهتها، "إل بي سي" على عدم الوقوع في هذه الثغرات، إذ يتواجد فريق عمل كامل، مؤلف من 3 أو 4 مراسلين لتغطية تظاهرة واحدة من أكثر من زاوية ومكان، تجنباً للوقوع في "سقطة" نقل الصورة من جانب واحد، كما تقول ندى أندرواس.

غير أن نانسي السبع ترى أن "الحدث يسحب المراسل نحوه"، و"بطبيعة الحال، فإنه حين يكون تعاطي قوى الأمن مع المتظاهرين سلمي، فإن هذا الأمر لا يستوجب التوقف عنده، لأنه الأمر البديهي والمتوقع، لكن حينما تتعرض قوى الأمن بالضرب والاعتداء على المتظاهرين في زواية معينة من التظاهرة، فمن الطبيعي أن تتوجه الكاميرا إلى هناك".

يختلف أسلوب التعاطي في "إن بي إن"، وإن نقلت القناة اعتداءات القوى الأمنية على المتظاهرين والعكس، إنما تعود وتضعها في السياق الذي يتناسب وسياسة القناة وموقفها العام. وتذكّر ليندا مشلب بحادث تعرّض بعض المتظاهرين للضرب والاعتداء من قبل عناصر مؤيدة لحركة أمل، إثر تعرَض مجموعة من هؤلاء المتظاهرين لشتم الرئيس بري. لم تتمكن القناة حينها من التعتيم على الأمر وغضّ النظر عنه، لكن ما يمكن فعله في هذه الحال هو أن أقول في رسالتي على الهواء إنه "كان هناك محاولة مغرضة ومشبوهة للنيل من الرئيس بري، لإطلاق النار على الحوار الباحث عن حلول للأزمات الواقعة، فيما هناك مجموعة من الناس تحاول تشويهه عن سابق إصرار". وتضيف مشلب أن هذا الكلام يعني "تحويل الحديث لما يناسب القناة، حيث نعارض كل ما قالته القنوات الأخرى عن توجه بلطجية حركة أمل للاعتداء على المتظاهرين. ما يعني اننا لم نغب عن الحدث، إنما قدمناه من وجهة نظر تناسب موقف القناة وجمهورها".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها