الجمعة 2014/10/24

آخر تحديث: 16:36 (بيروت)

"يوميات عبّيس".. من قلب الضاحية

الجمعة 2014/10/24
"يوميات عبّيس".. من قلب الضاحية
"حكيم ولد من رح النرجيلة" يؤكد: "خلص، هي هيك، أنا عم قلك هيك"
increase حجم الخط decrease

في الشارع شيء من حقيقتنا التي نواظب على التستر عليها. تلك الحقيقة المجردة من أي تلوين أو تمويه. لكننا نترك لإبن الشارع، على ما تحمله هذه التسمية من دونية، أن يكون أكثر قرباً منا إلى الوضوح. ينطق بالشيء كما هو. ينطق بلسان الكثيرين منا فتخرج منه الكلمة عارية ولا نستطيع شيئاً إزاءها. "عبّيس" (عباس) واحد من هؤلاء. هو شخصية توليفية بين مجموعة من الشخصيات، التي تجد متنفسها في الشارع.

شخصيات من قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، يتفتق ذهنها عن الكثير، وهي تمج طويلاً من "معسل التفاحتين". "عبيس" إبن الأحياء الفقيرة، يقارع بلسانه العارفين ليقول لهم إنه ليس أقل منهم في شيء، وهو أيضاً صاحب معرفة وإطلاع. وأراد الشاب علي شقير، الذي أسس مدونة "يوميات عبّيس"، لهذه الشخصية أن تعبر عن شخصيات موجودة بالفعل في الضاحية، وأن يفسح لهم مجالاً للحضور بصفتهم محاورين ومعلقين وعارفين بما يحدث في البلد الصغير لبنان.

الأمر لا يخلو من النكتة. غالباً ما يكون الحوار معهم دافعاً إلى الكثير من الضحك. قد يجد قارىء المدونة التي أنشئت لهذه الغاية أن الهدف منها إضحاك الناس، لكنها على العكس من ذلك.

يوضح شقير لـ"المدن" أن شخصية "عبّيس" (عباس)، هي "شخصية بسيطة وواضحة، بعيدة من التفلسف، ولديها شعور بأنها مهمشة وتريد التعبير عن رأيها كما هو". إذن، "عبّيس" مهمش، كحال الكثيرين. وهو إذ يريد أن يثبت وجوده، يتحين أقرب فرصة ليدلي بدلوه في كل شيء، حيث أن هؤلاء الشبان "لديهم أجوبة على كل الأسئلة"، كما يشرح شقير، مشيراً إلى أن غالبية اللقاءات تحصل عند حلاق الحيّ الذي يسكن فيه. وهو المكان الذي يشهد "نقاشات" حامية بين علي وبين شبان الحي.

شهدت الفترة الأخيرة ظهور صفحات في "فايسبوك" تنطق بلسان شخصيات شعبية من أحياء فقيرة في لبنان. وتبدو صفحة "يوميات عبّيس"، شبيهة بالصفحة التي أسسها الزميل صهيب أيوب "إم سيمي - سيدة طروبلوس الأولى"، والتي تتعاطى السياسة من جانب الحاجة إلى إبداء الرأي والتشديد على المطالب الإجتماعية، لأبناء المدينة الشمالية الغارقة في التوتر منذ فترة.

لكن "عبّيس" يظهر الجانب المسحوق عند شبان الأحياء الشعبية. أي أنه لا يرفع راية المطالب الإجتماعية، بقدر ما يريد أن يثبت نفسه أو أحقيته في أن يكون مسموع الرأي. وهو، لا يناقش، بل يجادل ويقر بما هو مخالف للمنطق من أجل أن يقول إنه يعرف أكثر من علي شقير، الصحافي، الذي يفترض به أن يكون واسع الإطلاع.

تسخر شخصيات "عبّيس" وفي أحيان كثيرة، من علي، عند مجادلته. تقول له بصريح العبارة "إنت عشو عامل صحافي إذا مش عارف شو عم قلك؟"، في مسعى لتسفيه رأي علي والإعلاء من قيمة آرائهم. أي تحطيم الخصم "المتعلم"، عبر إدعائهم المعرفة التي غالباً ما يتكتمون على مصدرها مقرونة بالجملة التالية: "خلص، هي هيك، أنا عم قلك هيك".

يقول شقير إن الغاية من إنشاء مدونة "يوميات عبّيس – حكيم ولد من رحم النارجيلة"، ليست الضحك فحسب، بل منح هؤلاء المسحوقين منبراً للتعبير، حيث أن المدونة "عبارة عن هامش واسع تقدر من خلاله أن تعطي هؤلاء الشباب فرصة أن ينتقدوا وأن يكون منطق تفكيرهم أيضاً مكان إنتقاد بطريقة ساخرة ومضحكة".

"عبّيس"... أو فقراء أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت، ترفع المدونة صوتهم، بآرائهم، ولا منطقيتهم، ومجادلتهم بالقوة... ويسعى شقير لأن يفتح حساباً صوتياً في موقع "ساوند كلاود"، فيتحدث هذا "المقهور"، و"المسحوق" و"العارف" عن نفسه وعن السياسة والعلوم والإقتصاد والحرب ويستميت في كل مرة ليثبت أنه موجود. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها