الإثنين 2015/06/29

آخر تحديث: 16:46 (بيروت)

"حارة اليهود" في منظار الناصرية الرثة

الإثنين 2015/06/29
"حارة اليهود" في منظار الناصرية الرثة
المسلسل سار وفق ذهنية لا تشيطن اليهود كما في فيلم "فتاة من اسرائيل"
increase حجم الخط decrease

في العام 1999، كان الضجيج حول فيلم "فتاة من إسرائيل" صاخباً. تعامل المهاجمون وقتها مع الفيلم على انه "مانيفستو" سياسي. كلمة إسرائيل وحدها كانت كفيلة بإثارة الجدل حول الفيلم، مثل الجدل السابق الذي طال نجمة الجماهير وعميلة المخابرات وقاهرة الكبار نادية الجندي. غير أن فيلم "فتاة من اسرائيل" كان "أعمق" كثيراً، لأنه اتجه إلى إخراج شريط سينمائي يحمل الكثير من الرموز والرسائل مفادها: "إسرائيل وحشة"، وفتج مجالا لرغدة أن تثرثر قوميتها، ولرفيق الصبان وإيهاب راضي أن يتحدثوا عن الرموز والإسقاطات في الفيلم.

الجدل السياسي، يتكرر مع عرض كل فيلم أو مسلسل يتناول اسرائيل أو اليهود. اليوم، تُستعاد تلك النقاشات مع مسلسل "حارة اليهود" الذي أنتجته شركة "العدل غروب". وإذا كان الفيلم قد استخدم قصة رمزية في بنائه الدرامي، فإن ما بُني عليه المسلسل، سار وفق ذهنية لا تشيطن اليهود كما في الفيلم. ويتجه العمل المسلسل الى مسار تاريخي يواكب موقع اليهود من المجتمع المصري والتحولات السياسية الكبرى في هذه المرحلة.

منذ اليوم الأول لعرض المسلسل، بدأت المراجعات حول دقة التناول التاريخي، خصوصاً وأن الفكرة التي واكبت التسويق له، كانت تفيد بأن العمل توثيقي. حتى أن صفحة السفارة الإسرائيلية بالقاهرة أشادت في البداية بالحلقات الأولى منه، ثم تحولت الإشادة إلى هجوم لأنه عمل "يعادي دولة إسرائيل".

أما المؤرخون، فقد بدأوا بحصر الأخطاء التاريخية "الكارثية" من وجهة نظرهم، مثل عدم حصول غارات على القاهرة عام 1948، أو أن المعبد اليهودي لم يكن مكاناً للهروب من الغارات، أو الفقر المدقع الذي عاش فيه قاطنو حارة اليهود في ذلك الوقت، أو أن الشيوعيين اليهود لم يكونوا متعصبين لإقامة الدولة، وتفاصيل أخرى كثيرة.

وذهب الشطط عند بعض الناصريين الى اعتبار المسلسل "قطعةً في بازل السياسة بعد تسمية سفير مصري جديد في إسرائيل"، فضلاً عن "أنسنة" اليهود بعد شيطنتهم لعدة عقود.

كل هذا الضجيج هو خارج العمل الدرامي. فالدراما غير ملزمة بالدقة التاريخية، وليست توثيقاً أرشيفياً لأحداث، بل هي في النهاية عمل ابداعي، يعتمد على تفاصيل تاريخية في بناء عالم السرد. سنترك التاريخ جانبا ونحاول أن نتحدث في الدراما..

بطل المسلسل هو المكان: حارة اليهود. المكان بما هو إطار جامع لمجموعة من الحيوات في حكاية.. يفتتح السرد البصري أولى مشاهده بغارة جوية تجمع سكان الحارة في أكثر أماكنها أماناً وهو المعبد اليهودي، ليبدأ العمل بلقطة جامعة للمسلم والمسيحي واليهودي في محل عبادة غير الجامع والكنيسة –كما اعتدنا- ولتحول الكليشيه المصري الدرامي عن المسلم والمسيحي اللذين يعيشان في سلام ومحبة إلى المسلم والمسيحي واليهودي. يا للروعة!

القصة المركزية في الحارة هي حب ليلى بنت هارون اليهودية، وعلي بن إبراهيم المسلم. الحب الأسطوري داخل حب كبير بين عائلتي الشابين. ولأن "علي" هو ضابط في الجيش، فلا بد أن يكون من المشاركين في حرب النكبة 1948. ولا بد أن يراسل ليلى ويحمل صورتها، وتراسله وتحمل صورته، ويلتقيان في حدائق قاهرة الزمن الجميل، وتعلم الحارة كلها أن ليلى تحب علي وعلي يحب ليلى.

لكن لا بد للقصة من عوامل إثارة. فهناك "ابتهال" بنت فتوة الحارة التي تكره ليلى اليهودية لأنها تحب علي مثلها، ولا بد من "موسى" أخو ليلى الذي ينتمي لليهود الشيوعيين الأشرار الذين يحاربون العرب في أرض فلسطين. ولا بد أن يتم أسر علي في الحرب على أيدي العصابات الصهيونية، ثم يهرب على يد رجل فلسطيني شجاع.

ولا بد كذلك من "الطرشجي" الإخواني المتعصب الكاره لليهود، وابنه حسن الذي يكون بالطبع قريبا من الجناح المسلح من الإخوان، ومن شخصية كارتونية مثل "نطاط" أحد رجال الفتوة الذي انقلب عليه فعمل مع الإنكليز. وأخيراً لزوم استخدام كل عناصر الإثارة من وجود بيت دعارة بحيواته ومآسي صاحبته ومن معها ممن "اضطروا" للعمل في هذه المهنة.

نحن أمام مستعمرة من الكليشيهات. غير أن فكرة وجود مسلسل عن اليهود كمجموعة من البشر بلا أضواء حمراء أسفل وجوههم، عامل كاف ليلقى العمل الجدل الذي سببه.

أما عن "الرمزية"، فبعيدا عن الحوار الذي هو استلهام لكل الشعارات المصرية الرخيصة عبر تاريخها، يكفي فقط تسمية الأبطال التي لا يمكن أن تكون اعتباطاً. فالضابط اسمه "علي" وهو –بالصدفة- اسم أشهر ضابط في تاريخ السينما المصرية: "علي" حبيب إنجي في فيلم "رد قلبي".. والبنت اسمها "ليلى" على اسم أشهر يهودية نعرفها كمصريين وهي "ليلى مراد". أم الشاب الإخواني المتعصب فاسمه "حسن"، والمسيحي "فانوس" وزوجته "تيريز".

حقيقة، لا يمكن أن ينتظر من مدحت العدل مؤلف المسلسل أكثر من ذلك. الناصرية الرثة التي يؤمن بها، لا تنتج إلا مثل هذا النوع الفج في رمزيته والساذج في طرحه. لا تهمّ كثيرا الأخطاء التاريخية، لكن ما يهمّ حقاً هو "الإقناع"، فلم يستطع مدحت العدل أن يحكم تفاصيل الفترة التاريخية وأزيائها وحياتها الاجتماعية بما يدخلني معه في "وهم" المرحلة. وللمفارقة، فإن العمل "عائلي"، إذ انتجته "العدل غروب"، وأخرجه محمد جمال العدل، ولعب فيه البطولة سامي العدل، وكتبه مدحت العدل السيناريست وكاتب الأغاني.

الناصرية الرثة هي نفسها التي شيطنت اليهود، وجعلت من الديانة مرادفاً آخر لدولة إسرائيل. حتى أن الحديث عن فوارق بين اليهودي والإسرائيلي، تقال كنوع من الثقافة العميقة أو الحقيقة الصادمة. لا ينتظر من مثل مدحت العدل إلا ذلك. مدحت العدل الذي كتب أفلاماً بتفاهة "أمريكا شيكا بيكا" وأغنيته الشهيرة "يعني إيه كلمة وطن" أو "صعيدي في الجامعة الأمريكية" بكليشيه حرق العلم الإسرائيلي، و"همام في أمستردام" وحرب المواطن المصري في مواجهة الشيطان الإسرائيلي وحضن العرب لبعضهم عند سماعهم "الحلم العربي".

والحال، فإن المسلسل لا يستحق عناء انتظار نهايته كما طالب منتجه محمد العدل، ولا أدري حقيقة كيف حالة أبطال العمل أنفسهم الآن وهم في أسوأ حالاتهم التمثيلية، خاصة منة شلبي وسيد رجب ووليد فواز في هذه الشخصيات الكارتونية الرمزية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها