الأربعاء 2015/07/01

آخر تحديث: 19:42 (بيروت)

درجات المآدنة

الأربعاء 2015/07/01
درجات المآدنة
increase حجم الخط decrease

كنا نذهب أنا وأخواتي وصديقاتهن وإخوتهم الصغار من أمثالي إلى تلة صغيرة في الدرباسية، اسمها القليج، لنتفرج عن كثب على مدفع رمضان وهو يطلق قذيفته المدوية بالفرح والسعادة والبهجة والفرج على ربوع الدرباسية مسقط رأسي الكريم.

وباعتبار رمضان كريم، فقد كانت الرحلة مزودة بأطايب المأكولات لكي تتم فريضة الإفطار على أكمل وجه هناك بجانب المدفع الغالي يا غالي. لم نكن ننتظر المدفع كي نأكل برضانا أنا وخالد ولقمان الثاني، باعتباري أكبر منه بسنة، إنما رغماً عنا لأن زوادة الطعام كانت محاطة بحراسة مشددة من قبل القوم الصائمين، والأسلحة شحاطات كالعادة متوسط خفيف ارتفاع الموج عندما ترتطم بوجهك البريء.

ومع أننا كنا صائمين في الحقيقة ضمن قانون درجات المآدنة حتى أذان الظهر، إلا أن الماء أيضاً لم يكن مسموحاً لنا به في هذه الرحلة قبل أذان المغرب. في الحقيقة لم نكن من ضمن فئة المدعوين المحترمين إلى تلك الوليمة. لا بد وأننا تطفلنا على هذه الرحلة تطفلاً، نراقب علبة الحلاوة وفي رأسنا تدور الأحلام، ونركض، نرمي بالكرة ونركض خلفها، نهبط ونلتقطها من السهول ونعود لاهثين إلى قمة القليج، نراقب شمس العصر التي مالت عنها الأرض قليلاً باتجاه الغروب، وترتطم عيوننا بعلبة الحلاوة بدون قصد وبشكل جماعي قطيعي غريزي.

لم تبدأ عمليات التحضير بعد، لكن بقي القليل. الشمس تنوص، يجب أن نكون مستعدين لضربة المدفع. لن يفوتنا توقعها قبل لحظة، لن نُفاجأ بها. نعد في قلوبنا اللحظات، نبضات القلب تتسارع، نركض، نسرِّع النبضات، نحارب الزمن، عطشنا، نصمد.. الماء الذي شربناه عند الظهيرة كمسك ختام لمسيرتنا المظفرة في صيام درجات المآدنة لم يكن كافياً. وها نحن صائمون من جديد. منذ أن قررنا الإلتحاق بالقافلة الصائمة نحو مدفع رمضان. المدفع المسالم اللطيف. صاحب القذيفة التي تصيب الغيوم فتهطل المياه والمأكولات والحلويات على البشر، بمن فيهم نحن معشر المفطرين.

فالمفطر لا يفوت مائدة رمضان لو شو ما كان. وهو عادة يأكل أكثر من الصائمين إذا كان من نوع المفطرين بالسر، كما أنه يكثر من شرب الماء تأكيداً لصيامه. وأقوى اللحظات بالنسبة للمفطر مدعي الصيام هي عند لحظة الإفطار، فهو يعتقد أن كل الأنظار موجهة إليه، فيبدأ بمغازلة زجاجة الماء قبل عشر دقائق من الآذان، كما أنه يبدأ بالنق والشكوى وادعاء الضعف والتعب. وعندما يضرب الطوب يهرع إلى الزجاجة ويكرعها كرعة مقطوع في الصحراء منذ عام. ويتلفت حوله ليتأكد أن ملف جريمته الشنعاء بخير، فيرى أن ما حدا لحدا يا أبو شريك. ويهجم على أقرب فخدة فروج لم تصل إليها أيدي الأعداء.

لكننا نحن الصغار لسنا كذابين، نحن صائمون درجات المآدنة. ومعنا شهادة من الماما أنو كملنا الصيام لعند أدان الضهر، وضرب المدفع.. وسرت البهجة في القلوب، وسرا الماء في الأجساد، وصارت التبولة والحلاوة واقعاً حقيقياً بعد أن كانت حلماً صعب المنال، وعمت الأفراح في الديار، وصدح صوت الملا حامد بالأذان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب