الثلاثاء 2014/10/21

آخر تحديث: 19:34 (بيروت)

داعش كوسيط وعظي في واقعة زنا

الثلاثاء 2014/10/21
داعش كوسيط وعظي في واقعة زنا
increase حجم الخط decrease

أصبح من المألوف للعالم أن يستيقظ كل يوم على فعلةٍ شنيعة جديدة يرتكبها تنظيم "داعش" ويوثقها بالفيديو، لكن المقطع المصور الأخير في ريف حماه الشرقي والذي يعرض تصفية جسديةً لامرأة سورية تحت حكم عقوبة (حدّ) الزنا، يحمل صدمة مضاعفة. فمن جهةٍ يظهر الإعدام ساديةً وتلذذاً بالتعذيب حتى الموت رمياً بالحجارة، ومن جهةٍ أخرى يظهر والد الضحية داعشياً مزاوداً على منفذي الجريمة بحق ابنته.

صدمة القتل الوحشي لا تزال تحرّك الامتعاض والاستنكار من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم إزالة الفيديو من "يوتيوب"، فإنه يعود ليظهر في مواقع أخرى، ليختفي من جديد. فعلى الرغم من تسيّد العنف لمعظم المشاهد المصورة القادمة من المناطق الداعشية وأيضاً تلك التي يسيطر عليها النظام، لاقى المقطع موجة واسعة من الاستنكار في "تويتر" و"فايسبوك". وإذا كان النظام السوري هو من افتتح الدعوة للعنف المصور في سوريا بعد الثورة، بآلاف المقاطع الوحشية المسربة للتعذيب والتصفية الجسدية، فإن داعش اليوم يكمل المهمة تحت مسميات متنوعة، وبذهنية لا تعتمد المسرب في توصيل رسائل ترهيبية كما يعمل الأسديون، بل يبدو التوثيق والنشر جزءاً من التكليف الشرعي القائل بوجوب القتل والتعذيب.

المرأة التي لا نرى إلا جسدها مغطى من الخلف، أقيم عليها "حدّ الزنا" بعدما حسمت مجموعة من الداعشيين، مع الأب، بأنها "زانية" ومتزوجة، وحكمها أن تموت رمياً بالحجارة. القاتل الداعشي يقف أمام الكاميرا ويلقي الحكم على الضحية، حاثاً إياها على أن ترضى بشرع الله وتستسلم لإرداته. السؤال الذي يوجهه الداعشي المفوّه، للضحية، عن قبولها بحكم الله، أي عن قبولها بموتها، هو قتل أولي يسبق القتل الجسدي. الامرأة مسلوبة الإرداة، المُساقة إلى حكم الموت، والميتة حكماً، لا يمكنها أن تعترض على الظلم، ولا يسعها أن تصرخ في وجه القاتل. لشدة استلاب شخصيتها وعقلها، ولاستضعافها جسدياً ومعنوياً (وما لها أن تفعل وهي مقيدة ووحيدة بلا نصير؟)، عليها أن تظهر الطاعة الإسلامية والأبوية معاً، حتى بعد أن يقوم هذا "الإسلام"، وحليفه أبوها، بقتلها.

الصدمة الأشدّ، هي الحوار القائم بين الابنة والأب قبل أن يقوم الأخير بقذفها بالحجارة على رأسها وجسدها. فبعد أن يفرغ الداعشي من إعلام الضحية بمصيرها، تطلب من أبيها أن يسامحها، لكن الأب يرفض بلؤم وإصرار بينما ترجوه الابنة باكية أن يفعل.

الابنة التي تُحاسب على جسدها (من دون أن نعرف قصتها الكاملة، وما إذا ثبتت عليها "التهمة" فعلاً.. وكيف ثبتت؟!)، تطلب عفواً من الأب على خطأ ليست طرفاً في تحديد معاييره، ولا هي مخولة حتى الدفاع عن نفسها، بل عليها أن تقرّ وتستسلم.. قبل موت لا يستحقه أحد بالمطلق. وبعد رفض الأب وتبرّئه من ابنته، يتواسط الداعشيون بين الأب المتعنت وابنته المغلوب على أمرها. فتظهر الرأفة والوسطية الداعشيتان بأن يقوم المقاتلون باقناع الأب بالصفح عن ابنته، من دون رأفة بـ"الحكم" طبعاً، ما يجعل الابنة ضحية مرتين (بإذلالها أولاً، ثم بقتلها الذي لا مفر لها منه). فيظهر الأب متمنعاً ومزاوداً على الداعشيين أنفسهم. هل يحاول أن يتقرب منهم بتطهره من العار-ابنته؟ هل يسعى إلى راحة من عبء اجتماعي أمام أهل قريته؟ وهل وجد الأخيرون قواسم مشتركة بين الداعشية الإسلامية والريفية الاجتماعية؟

داعشياً، يهدف المقطع المصور كالعادة إلى الدعاية والترويج. الداعشي ذو اللحية والجسد الضخم، يوجه رسالة إلى الرجال المسلمين الذين يعتبرهم السبب وراء انحراف النساء إلى الزنا بسبب الابتعاد عنهم لفترات طويلة. الداعشي ليس فقط بصدد القتل هنا، بل أيضاً يريد "تنوير" المسلمين كي لا يوسوس الشيطان لنسائهم. أكثر من ذلك، يُطلب من الضحية أن توجه رسالةً إلى بقية النساء، تعظهنّ فيها ألا يفعلوا فعلتها. وفي حفرةٍ صغيرة تُوضع المرأة وترجم بالحجارة الكبيرة، يظهر الأب متحمساً وحازماً في ضرب ابنته بالحجارة الثقيلة على رأسها وجسدها حتى تفقد وعيها وتموت.

المقطع المصور يشبه مسلسلاً تلفزيونياً بعثياً. الداعشي المتمكّن، صاحب السلطة على الأرض، ينظم المشهد ويلقّن الجميع أدوارهم. يشير بيده بحزم إذا قاطعه أحد الداعشيين الصغار من حوله وهو يتحدث، يقنع الأب بأن يصفح عن ابنته، ويلقن الضحية الكلمات التي يجب أن تقولها، كأستاذ مدرسي، أو كمخرج بعثي رديء.

المرأة التي لا نعرف عنها شيئاً، مجهولة الهوية، أريد لها أن تكون كذلك لأنها في النهاية ليست هدفاً بحد ذاتها. فمنذ بداية المقطع يقول القاتل للضحية أنها أول تطبيق للحكم الشرعي في المنطقة. داعشياً، هذه قيمة المرأة لا غير. أما الأب، فيجب أن نحاول جاهدين، في كل مرة نرى من هم مثله من أهالي المناطق السورية يتماهون مع داعش (بخاطرهم أو غصباً عنهم)، ألا نقع في أقاويل ممانعي التغيير في سوريا. فمن اليسير القول أن هذه المجتمعات بحاجة إلى التغيير من داخلها، قبل تغيير البنية الحاكمة، لكن الأصعب أن ندرس بدقة من أين جاء هذا الخراب الاجتماعي، وكيف يتم تأويله داعشياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها