الخميس 2014/10/30

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

خبر يبطئ الوقائع

الخميس 2014/10/30
خبر يبطئ الوقائع
increase حجم الخط decrease

تتسابق وسائل الإعلام على الوصول إلى الأخبار، ونقلها، أو نشرها، على طول ساعات اليوم. والسباق هذا، وبعد أن يشتد، وينقلب إلى تنافسٍ، يدور، في أغلبه، انطلاقاً من "الخبر العاجل"، أو استناداً إلى نزوع نحوه، يكاد يسرِع أي نبأ، رافعاً من قيمته، كأنه يتضمن واقعة، لا بد من معرفتها، لأن قبلها ليس مماثلاً لبعدها، بمعنى أنها مفصل مغيِّر لحال سياسية، أو توازن إجتماعي، أو غيرهما.

لكن، كيف يُصنع "الخبر العاجل"؟

يمكن القول بدايةً، أن الخبر، ليصبح على وضعه العاجل، يمر في عددٍ من المراحل. أولها، صياغته في جملة قصيرة ومقتضبة، فعلها المحوري، أنها تظهر، تطلع، أو بالأحرى تنبأ. ثانيها، توقيعه، فمن نبوئه، يستمد الوقع، أو الأثر، الخاص به، والمرتبط بمعناه، الذي يبدو متصلاً بواقعة، أو بنازلة على وجه الدقة. ثالثها، تسريعه من خلال إرساله إلى المتابع عبر خدمة "آخر الأخبار"، و"ورد الآن" إلخ. الهاتفية (تطبيقات)، أو الإنترنتية (المواقع)، أو التقليدية (الشاشات والإذاعات...).

بالتالي، لا يسير الخبر على طريق مستقيم كي يحصل على عجالته. فقبل أن يقرأه  المتابع، أو في طريقه إليه، "يطلع"، ثم "يقع"، ثم ولأنه تعرض بالأساس إلى التقضيب، "يُرمى"، كما لو أنه سهم يستقر في عيون المتابع أو أمامها. إذ أن الشكل، الذي قد يصح تصوير "الخبر العاجل" على أساسه هو السهم، أو الرمح، عند تقويته، حيث أن قوسه هو الواقعة التي في بعض الأوقات، لا تكون على هذه الحال البتة. إلا أن وسائل الإعلام بمقدورها تغيير أي خبر بلا حادثة، إلى حادثة وخبر متطابقين، لدرجة أن يصبح السهم هو القوس، وعندما يُرمى، لا ينقل ولا يصدم ولا يثير في قارئه سوى التهكم عليه أو اللا-إكتراث به.

ليس خافياً على أحد، أن تلك الوسائل تمطرنا بأخبارها العاجلة، التي تنزل كالسهام علينا، ومن حولنا، مستفيدةً من ربطنا بين "الخبر العاجل" و"الوضع الخطير"، كأنها تطلب منا الاستعداد على الدوام لنوازل كثيرة، معلومة ومجهولة. وبذلك، من الضروري التوقف عند العلاقة بين الخبر ومتلقيه، إذ أن الأول أكثر حركة من الثاني، أسرع منه، وهذا ما لا يحوّل قارئه إلى مُتابع، بل يبقيه على ثباته كمتلقٍ، غير فاعل طبعاً، لكنه من المحتمل دفعه إلى الظن بأن كل سهم يُرمى عليه، محفوف، مصقول، بالخطر، ويمكن أن يصيبه، أو عليه أن يصيبه، ولا مجال للإحتماء منه.

فأمام المتلقي المتجمد، يصبح السهم السريع هو الواقعة بحد ذاتها، ولا يهم إن كانت تُخبر حادثة ما فعلاً، أو تكتفي بالإصابة غير المعلِمة بشيء.

من هذه الناحية تحديداً، نقع على إشكالية أخرى، وهي العلاقة بين الخبر والحادثة، التي يحملها، أو التي من المفترض أنه يتضمنها. فتكاثر الأخبار العاجلة، ونشرها بدون انقطاع، قد يحيل إلى الإعتقاد أن كل فعل هو حادثة. وبالتالي، الوقائع في كل مكان، ومعها، تحضر الأخطار الممكنة بدرجات متفاوتة. وعلى مقلب آخر، قد تمحي سرعة الأخبار قيمة الوقائع، أو قوتها، كما يجري عادة في أخبار الحروب المتتابعة، حيث أن خبر مقتل عشرة أشخاص يحصل على ذات الوقع، الذي يتركه خبر آخر، من قبيل استقبل وزير معين وفداً ما، وأبقاه على مأدبة العشاء. إذاً، قد تخفي الأخبار العاجلة انعدام وقوع أي حادثة، وقد تخفي الحادثة نفسها. والإخفاء، في الإحتمال الأول، يأتي على شكل بيان أو إظهار، وفي الإحتمال الثاني، يعني تجويف الوقع، أو تخفيف الأثر.

فليس الخبر العاجل أسرع من متلقيه، كسهم نازل عليه ولا مناص من الإصابة به فحسب، لكنه، أسرع من الحادثة، التي ينقلها، إما لأنها غير موجودة، أو لأنه يبطئها، كيف؟ عبر تفريغ وطأتها، قيمتها، لتستحيل سريعة جداً، مستعجلة، لا تقول شيئاً، لأنه لا وقت عندها لهذا الفعل. بعبارة ثانية، الخبر يستعجل الحادثة بتبطيئها، كي يظل أسرع منها، وفي الحين ذاته، يمتصها، يقبض عليها، ليصبح هو الحادثة بذاتها. أما المتلقي فتمر السهام عبر عينيه، وتحيط به، ليتجمد في مكانه، ولا يعود يميز بين الواقعة وخبرها، وبين الخبر كواقعة، والنبأ بدونها.

وهل يجمده الخبر عبر استعجاله، مثلما هي الحال بالنسبة للحادثة؟ ربما، وهذا ما تشير حركته إليه، حين يُرمى بأخبار متدرجة عن تسكير طريق هنا أو هناك، بينما يزور أحد الأصدقاء على سبيل المثال، فيستعجل الرحيل كي يعود إلى تجمده خوفاً من خطر قد يحدق بحضوره. في النتيجة، الخبر العاجل، يبطئ كلاً من الواقعة والمتلقي، عبر استعجالهما، تسريعهما، بغاية اختصارهما به، فهو حادثة على عجلة من نزولها، وهو متلقٍ على عجلة من تجمده، فلا تلك تقع، ولا هذا يتحرك...قد نحتاج، في المقبل من الزمن، إلى دروع، تقينا من كل هذه الرماح!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها