الأربعاء 2014/10/29

آخر تحديث: 15:40 (بيروت)

الدم الأساس

الأربعاء 2014/10/29
الدم الأساس
increase حجم الخط decrease

لا إنجازات تفتخر بها المعارضة سوى الموت. لا توجد حتى الآن مفخرة واحدة لهم سوى الشهداء. لا نتاج آخر يشعرهم بوجودهم سوى موت الآخرين. لا عمل سياسي يُشعر بالفخر، لا إنجاز اجتماعي يُشعر بالفخر، لا سبق صحفي يشعر بالعزة سوى خبر الموت. يعتزون بموت الناس. يلتقطون الصور للشهداء ليعرضوها على حساباتهم الفايسبوكية ويمصوا دمها باتجاه حساباتهم البنكية.

لم يقدموا حتى الآن فكرة واحدة على أي مستوى من المستويات. لم يستطيعوا أن يفتحوا محل فول حتى، بل إنهم نسوا مهمتهم الأساسية وهي مراقبة عداد الموت، فتركوا العداد حتى كما تركته الأمم المتحدة من قبلهم، وباتوا يمجدون الهزائم هذه المرة. يمجدون المجازر. يمجدون الحصار. يمجدون التجويع. يمجدون الإعتقالات.. يعني افهم بقى، هم يمجدون مصادر رزقهم.

بكل بساطة، كان الدم وعدَّاده مصدر الرزق الأساسي. أما الآن وبعدما أغلقت الأمم المتحدة هذا العدَّاد، فقد صارت الهزيمة والإعتراف بها بل والتهليل لها هي مصدر الرزق. دفعوا للمعارضة ثمن الدم، والآن يدفعون لها ثمن التشرذم والإنقسام والإستسلام، وصار الراتب الأكبر من نصيب ممثل المنطقة الأكثر انتهاكاً. صار الراتب الأكبر من نصيب ممثل الملة الأكثر اضطهاداً. وهكذا دواليبك يا أبو شريك... الشعب يرجع أناريه والمعارضة تطير بعلبة غيارها الأوتوماتيك التي تتناسب طرداً مع مستلزمات المرحلة.

لم ينتخبهم أحد، أصلاً هذا الأحد الذي سينتخب، مشغول بالموت في سبيل شيء ما. يعني عينوهم يا أبو شريك، وهم بدورهم عينوا غوغاء تتناسب مع برامجهم الإعلامية. لكل غوغاؤه. وصل زعيق الشتائم السورية إلى بلاد الواق واق. الشاطر يشتم، على التلفزيون، وفي الفايسبوك، وعلى تويتر، وفي صفحات الجرائد، في المواقع الإلكترونية، بل وحتى في المرابع الليلية. المهم أن تخرس الناس. هناك ترتيبات، وعلى هذه الترتيبات أن تمضي إلى نهايتها، إلى قدرها المصطنع، إلى الولادة القيصرية تحديداً للأشكال الجديدة المشوهة لقلب الشرق.

الذبح على الهوية لن يعود موجوداً أيضاً يا أبو شريك، لأنه لن يعود هناك هوية. الهوية ستمحى، وسطل الدم هو الدهان التأسيسي للشكل الجديد. ففوق الأساس الدموي ستطرش الألوان، وستقف أمام المرآة بعد عشر سنوات وتضحك. هذا المهرج هو أنا، ستشير إلى نفسك يا ابو شريك وتقع في هستيريا من الضحك المميت. نعم، ستموت من الضحك على نفسك.

هذا المهرج الملون هو أنت. هذه الرقع المشكَّلة الملوَّنة هي ثوبك الجديد. رسموك بالحديد والنار، لم يطبخوك حتى، فقط قطَّعوك ومزقوك وأحرقوك. لم تكن النية هي أكلك. فهم متخمون،. إن من سيأكلك هو من يمثلك، هو منك وفيك. لم تنتخبه، لأنك كنت مشغولاً بالموت، مشغولاً بالهروب من الموت، مشغولاً بمقاومة الموت، تحتمل لأيام الجوع، تحتمل العطش، تنفذ من الأخطار، تصبح ثعلباً للحظة في لعبة الموت، وتصبح قنفذاً للحظات، تنسى أنك إنسان، وفي النهاية تتدفق دماؤك الحارة فتلمسها وتشعر بالحياة للمرة الأولى منذ سنوات.

تلك حياة ستفارقها وأنت تعرف أنَّهم على دمائك الآن يؤسسون أشكالاً كاذبة وألواناً باهتة، وأن من يمثلك ويتحدث باسمك، ويأكل باسمك، ويشرب باسمك، وينام باسمك، يقبض الثمن الآن، كما قبض من قبله بمائة عام. أنت كنز.. فنم يا أيها الكنز.. واحكِ لنا بعد مائة عام ما رأيته في المنام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب