الجمعة 2015/07/03

آخر تحديث: 18:53 (بيروت)

"الحرائر" هن طلائع الحركة النسوية السورية

الجمعة 2015/07/03
increase حجم الخط decrease
نساء سوريا ودورهن في الحياة السياسية والاجتماعية في دمشق إبان الحرب العالمية الأولى، يضيء عليها، المخرج الكبير باسل الخطيب هذا الموسم بعمله الدرامي الجديد "حرائر"، مبتعداً عن موضة الدراما الاجتماعية والحرب المشتعلة في سوريا، وكاشفاً عن الحراك النسوي السوري في تلك الحقبة.

ورغم أن مسلسلات سورية كثيرة أضاءت على حراك سياسي واجتماعي تولته نساء ابان الازمات في سوريا، أهمها "حمام القيشاني" و"خان الحرير" و"البيوت أسرار"، إلا أن "حرائر" يكرس جهده الدرامي للكشف عن الحراك النسوي الأول في البلاد وشهدته سوريا خلال اواخر حقبة الإحتلال العثماني.

ولعل "حرائر" هو العمل الأكثر تكاملاً في هذا الموسم، بدءاً من أغنية الشارة الجميلة التي أدتها المطربة المميزة ميادة بسيليس، مروراً بالنص المتين والإخراج المحترف.. وليس اختتاماً بأداء الممثلين الراقي، وهو من دون شك أنجح تجارب "البيئة الشامية" التي حاولت تقديم طرح أكثر واقعية ويفوق مسلسلات البيئة نفسها دقة من الناحية التاريخية.

لا ينحو العمل تجاه التنظير المباشر بتاتاً، بل يلتزم بنقل أفكاره عبر القصة الدرامية فقط، وهي خاصية مبهرة لأعمال حاولت الخروج من ظل "باب الحارة" (طالع الفضة، بواب الريح، ..). ويعود الفضل في ذلك إلى النص المتقن الذي كتبته عنود خالد، كما أن الحوارات رُتّبت بطريقة تلائم زمن القصة من ناحية المفردات واللهجة، دون مبالغات.

والعمل، يؤرخ للحراك النسوي السوري، عبر المزج بين حياة شخصيات حقيقية مع شخصيات متخيلة، وهو تيار سينمائي سائد في هوليوود. فتتردد عبر الحلقات المتتالية، أسماء مهمة مثل ماري عجمي (تلعب دورها حلا رجب)، وهي مؤسسة مجلة "العروس" التي تعد أول مجلة نسائية عربية في دمشق، وخطيبها الصحافي الدمشقي من أصول يونانية بيترو باولي (يزن خليل)، والأديبة والناشطة السياسية نازك العابد (لمى الحكيم) ليلعبوا جميعاً دوراً مهماً في تحريك الأحداث ودفعها إلى الأمام.

قصة العمل الأساسية تدور حول بسيمة (سلاف فواخرجي) التي تفقد زوجها المريض في الحلقة الأولى، وتبدأ به رحلة الصراع في الحياة ضد نمط الأسرة التقليدية المحافظة، المتمثلة بأخ زوجها صبحي (أيمن زيدان) الذي يقرر من تلقاء نفسه حرمانها وبناتها من الميراث والنفقة، وبدل الرضوخ له أو الزواج منه، تبدأ بسيمة العمل بمساعدة صديقاتها في تكافل نسائي شديد المثالية.

محور الشر في العمل محصور بصبحي والدولة العثمانية، ويتماهى المحوران الشريران معاً بحيث يغدو صبحي الوجه الحقيقي للاحتلال العثماني آنذاك، سواء في تصرفاته مع زوجته فايزة (صباح الجزائري) وخيانته لها ورغبته في الزواج من بسيمة وبيعه ابنته (ميسون أبو أسعد) لعريس ثري في اسطنبول، وصولاً لطبيعة عمله الاحتكارية في سوق الأقمشة.

أما بقية الشخصيات الذكورية، فيبدو الجهل هو المبرر لتصرفاتها الرجعية، وهنا تلعب النساء دوراً في نشر الوعي عبر علاقات ماري عجمي ونساء آل العابد مع نساء الحارة القديمة.

النماذج النسائية التي يطرحها "حرائر" شديدة التنوع، فهناك المرأة المتعلمة القوية (عجمي)، والمرأة المومس (سامية)، والبنات الحالمات بالمدرسة والتعليم (بنات نسيمة)، بينما تمثل نسيمة نفسها الأمل أو الغد المشرق بعد رحلة كفاح طويلة ضد التقاليد البالية، وصولاً للمرأة الراضخة لزوجها في معظم الأوقات (صباح الجزائري) والتي نراها تكسر تلك الطاعة العمياء عدة مرات حفاظاً على مصلحتها الشخصية.

المشاكل المجتمعية - الدينية التي تعاني منها النساء السوريات، يرجعها العمل إلى الجهل المستشري أولاً، والتقاليد العثمانية الوافدة على المجتمع الدمشقي ثانياً. ومن أبرز الحالات التي يسلط عليها الضوء، هي حق المرأة في الطلاق، عبر قصة الحاجة زهرية (غادة بشور) التي تتعذب كثيراً للحصول على الطلاق من زوجها سيئ الطباع بسبب عدم وجود أسباب "شرعية"، وفق منطق شيخ الحارة (رفيق سبيعي)، ليكون "الهجر المتعمد في الفراش"، هو السبيل الوحيد للطلاق، وهو طرح ذكي لمشكلة تنميط المرأة في المجتمعات المحافظة كجسد و"متاع جنسي" فقط، وهو ما يذمه "حرائر" بدقة وإتقان.

صور العمل بالكامل في دمشق، وينفذه طاقم عمل من المؤيدين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولم يشكل وجود الدولة العثمانية في العمل دافعاً لدى أصحابه لإجراء إسقاطات سياسية على ما يجري في البلاد اليوم عطفاً على العداء المعلن بين النظام السوري والجارة تركيا، وهي نقطة أخرى تحسب للقائمين على المسلسل.

خيارات الإخراج تبدو مثالية. فالكاميرا المتحركة ببطء دون جمود، والإضاءة المتوازنة، تخدم فكرة العمل بتوسيط النساء المشهد الاجتماعي عبر الكادر..  بينما تتصدر النساء الصورة، عبر اختيار زاوية الوسط، في اشارة الى دور النساء المحوري ووقوفهن خلف "ثورة ناعمة".

يقدم جميع الممثلين دون استثناء تأدية لافتة، فالأسماء الكبيرة مثل أيمن زيدان وسلاف فواخرجي وصباح الجزائري تتألق بشدة، وكذلك الأسماء الواعدة مثل حلا رجب ولمى الحكيم. ويعيد العمل للشاشة الصغيرة كلاً من الممثلة الجميلة نادين سلامة المبتعدة عن الفن منذ عام، والنجمة نورا رحال التي توقف نشاطها الفني في التمثيل والغناء عدة سنوات بسبب صراعها مع مرض السرطان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها