الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 17:54 (بيروت)

عن الصورة و"التعتيم على داعش": حجب أداة التحشيد؟

الخميس 2014/08/21
عن الصورة و"التعتيم على داعش": حجب أداة التحشيد؟
increase حجم الخط decrease

 صورة واحدة كانت كفيلة بإثارة العالم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف بـ"داعش". تحسّس العالم رقبته. سمع صليل السيف في مقتله. فهبّ مرة واحدة لقطع رأس "داعش"، كما قطع التنظيم رأس الصحافي الأميركي جايمس فولي. ولولا الصورة، لبقي الأمر على ما هو عليه: متشدد يذبح، وعالم يتفرّج.

والصورة هنا، أداة تحشيد، بما يتخطى كونها توثيقاً لفعل القتل البربريّ. وظائفيتها، تتعدى مجرد الإدانة والإستنكار، والبحث في ما يجب أن يقوم به العالم. شناعتها، لا تحتمل دراسة. أثارت عواطفنا، ومسّت إنسانيتنا. وضعت رقابنا تحت مقصلة تنظيم قادم بلا محالة لقتل كل من يخالفه التشريع الإسلامي المزعوم. وانطلاقاً من ردّ الفعل الغاضب، يصبح كتم الصورة بمثابة تواطؤ على القتل. وعلى "داعش" نفسها.

بُعيد بثّ مقطع الفيديو لحادثة ذبح الصحافي الأميركي، بادر "يوتيوب" الى حذف المقطع، كما هدد "تويتر" بحجب أي صورة تظهر الصحافي مذبوحاً. وتطوّر فعل احترام الذات الإنسانية، وعدم التمثيل إفتراضياً بالجثث، الى ظهور حملة بادرت إليها الناشطة العربية (ليبية أو سورية) هند، تدعو للتعتيم على أخبار "داعش" وصوره. وسرعان ما تبنّت وسائل إعلام العالم حملة #‎ISISMediaBlackout  إنطلاقاً من كلمات أمه الداعية الى احترام موته... وحسناً فعلت. لكن هل كان ليتردد صدى سكين "داعش" في العالم لولا الصورة؟

بالتأكيد لا. بلا صورة، كانت الأصوات المشككة لتزداد. غير أن قسوتها، حركت ضمائر العالم. هزّت إنسانيته. وضعته تحت مسؤولية حماية آخرين، بضرب "داعش"، فضلاً عن منحه شرعية سياسية لتكثيف ضرباته ضد معاقل التنظيم ومواقعه، وتطويرها، إذا أمكن، الى توسعة نطاقها الجغرافي الى داخل سوريا أو المناطق الحدودية المشتركة.

كيف السبيل الى الموازنة بين أداة التحشيد، واحترام الإنسانية؟ النقاش لا يزال مفتوحاً. لكن الخبراء في الغرب، يدعون الى عرض الصورة فترة وجيزة، بغرض إثبات مصداقيتها، قبل أن يصبح النقاش في صيغة الغائب. فتكرار العرض، يفقد الصورة قيمتها وقدرتها التعبوية. تماماً كما حدث في التسعينيات، حين كررت وسائل الإعلام الغربية عرض صورة الشرطي الأسود القتيل، حتى باتت مألوفة، لا تملك أي قدرة للتأثير.

هذه المرة، تجاوز الإعلام الغربي هذه الفرضية، في حجب الصورة. ليس إحتراماً لانسانيتنا، بل للاحتفاظ بقدرة على التحشيد. بغرض أن تبقى حية، وذريعة لقتال واجب ضد "داعش"، ويحظى بدعم غربي، الى جانب الدعم العربي، واستجابة الى المطلب السوري (نظام ومعارضة) واللبناني والعراقي.

والهدف من إبقائها في الذاكرة، يأتي على خلفية أن الضحية ليس عربياً. ليس سورياً إعتاد العالم على مشاهدة ذبحهم، بموازاة هز رأسه متأسفاً. يجب أن يبقى الفعل أسطورياً، ويستحق التحرك الدولي عملياً، لكبح التنظيم وذبحه. أما التذرع بالإنسانية فقط، فإنه يتطوي على تواطؤ مستقبلي، يستهدف الضحية العربي الذي يذبح على يد "داعش"، والفلسطيني الذي يذبح على يد إسرائيل. فكرة آيلة للتطبق، إذا توصل العالم الى إتفاق على حجب الصور، إستجابة لدعوات برزت في الصحافة الغربية.

الصورة سلاح ذو حدين. إظهارها مؤقتاً قبل التعتيم، تضفي شرعية على التحرك..أما حجبها بلا اي توطئة تحشيدية، فإنه سيَئد الحراك العمليّ قبل ذرائع ولادته.

increase حجم الخط decrease