الثلاثاء 2014/09/30

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

المصريون يهربون الى بلاد إفتراضية

الثلاثاء 2014/09/30
المصريون يهربون الى بلاد إفتراضية
increase حجم الخط decrease

"هذا الاختبار سيقدم لك النصيحة عن المكان الأنسب لك للعيش على الكرة الأرضية، إجاباتك ستمكّن معالجنا فائق الذكاء من اختيار البلد الملائم تماماً لشخصيتك. كل المعلومات المستخدمة في الاختبار من الموسوعة ومن مصادر موثوقة". مثل كلام العرافين وأهل التنجيم، تسطع هذه الكلمات في أول الاختبار الذي يقدمه موقع Real Me ، أو "أنا الحقيقي" عن أنسب الأماكن لعَيش مَن يجري الاختبار.

هي اللعبة التي انتشرت بين ليلة وضحاها في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً في مصر. "المعالج فائق الذكاء" الذي يطرح أسئلة تتراوح بين السذاجة الواضحة والتذاكي المخيب يقرر، اعتماداً على مجموعة محددة من الإجابات، المنطقة الأنسب في العالم لعَيش الشخص الذي قرر الانخراط في هذه اللعبة.

هي محض لعبة إذن، مثل ألعاب مستوى الذكاء ومستوى عمرك العقلي والعصر الذي يناسبك وغيرها. هذه الألعاب التي تأخذ سمة "الجد" لإضفاء مصداقية بقاعدة "دعني أخدعك.. دعني أنخدع". الخدعة التي ترتدي ثوب الدقة العلمية بتواطؤ غير معلن من لاعبيها ومقدميها.

غير أن لعبة "أين يجب أن تعيش على الكرة الأرضية" استهلكت هذه المرة مساحة غير هينة من النقاشات الافتراضية اليومية طوال أسبوع مضى. بداية من اسم اللعبة بيقينية "الوجوب" التي يقدمها العنوان، لا "الأنسب" أو "الأفضل".. لكن "يجب أن" والتي تمنح إحساسا بالثقة والقوة في نتيجة هذا الاختبار، وهي القوة غير المقصودة من مترجم هذا التطبيق، والذي نكتشف بعد ذلك ضعف مستوى ترجمته. غير أن تأثير "الوجوب" يمتد إلى النهاية مع أكثر من نصف مليون شخص جربوا هذا التطبيق خلال أيام قليلة.

النقاشات الدائرة حول نتائج هذا الاختبار اتسمت، في كثير من الأحيان، بجدية لا تتناسب مع تفاهة اللعبة، خصوصاً مع نتائج ربما تقذف بصاحب الاختبار في جحيم كوريا الشمالية، أو أن يُبقي الاختبار صاحبه في مكانه بلا تغيير، أو -النتيجة الأطرف- "لا مكان يناسبك على الكرة الأرضية".. النقاشات الدائرة حول نتائج الاختيارات انحصر معظمها في أمرين: مقارنة البلد المختارة ومصر من ناحية، وصفات صاحب الاختبار التي تجعله يليق بالنتيجة، من ناحية ثانية.

ورغم ما يبدو من طرافة اللعبة، فإنها بطبيعة الحال تعكس هذا الرفض الجماعي لمعطيات الواقع الحقيقي، خاصة مع المنسحبين من الحقيقي إلى الافتراضي، حتى تحوله إلى حقيقي بالنسبة إليهم، وهم أكثر من أخذوا هذه النتائج بجدية مستغربة.

هذه المصائر الافتراضية تحل في مضمونها مكان التجريب. وبالأحرى، صار الافتراضي هو المرجعية "الحقيقية". الانسحاب من الواقع بمعطياته البائسة، وفي بلد مثل مصر، خلق مجتمعاً معزولاً تماما داخل الشبكة العنكبوتية، جعل كثيرين يسارعون إلى التسلي بمثل هذه اللعبة، لخلق ميكانيزمات هروب ملتفة. الدهشة الحقيقية ستأتي حين نرى، في يوم قريب، من صدَّق الاختبار وقرر السفر إلى البلد المختار!

increase حجم الخط decrease