الثلاثاء 2014/09/02

آخر تحديث: 16:04 (بيروت)

يومٌ مُرّ.. يومٌ أمَرّ

الثلاثاء 2014/09/02
يومٌ مُرّ.. يومٌ أمَرّ
لوحة علا الأيوبي
increase حجم الخط decrease

 "لا يهمّني أين أتوجه كلّ صباح، المهم أن أبتعد، أن أركب أول سيارة تقلني كيفما كانت وجهتها، أن يقدّم لي سائقها عدة فناجين من قهوة الطريق كي تهدأ الطاحونة التي تدور في معدتي وفي راسي وأقدر على الاستمرار وعلى تقبّل ما سوف أواجه من طباعٍ وروائحَ وأجساد وقرفٍ خلال النهار".

"في بداية الأمر كنت أعتقد أنني الوحيدة التي تقوم بذلك، إلى أن بدأتُ باكتشافهنّ خلال تواجدي على الطرقات، أجزم أن جميع نساء مخيمنا تخرُجْنَ يومياً إلى سوق العمل، كأنّ من أنشأ هذا المخيّم فعل ذلك لهذا الغرض!! ولعِلمِكَ ما من عجائز فيه".

"أن أتقدم بشكوى!! أنت تمزح دون شك أيها المحترم!! كل يوم تتوقف سيارة درككم أمام المخيم ويسارع الشاويش إليها، يدخل رأسه من شباكها الأمامي الأيمن ويدفع بيده ليرمي شيئاً أخرجه من جيبه بين المقعدَين، وبينما ينطلق السائق بسرعة يحاول الأخير دفع جسمه خارجها مخافة  الأذيّة".

"بالرغم من مرور حوالي ستة أشهر على وجودي في المخيّم ومشاهدته أثناء مروري عنده كل يوم لإعطائه حصته اليومية، وبالرغم من أنني أدخل خيمته ليلة على الأقل كل أسبوع لإمتاعه، إلا أنني حتى الآن لم أستطع معرفة إن كانت السنّ الأمامية الوحيدة لذلك الشاويش -والتي يفركها بلحمي دائما- واقعةً في فكّه العلوي أو السفلي!!".

"طبعا زوجي يعرف بذلك، هو الذي حثني على الموافقة بعدما سُدّت السبل لأنه لا يستطيع العمل بسبب مرضه المزمن والمستعصي، وجميع سكان الخيم يعلمون: الشاويش زعيم مطلق وكل النساء جَوارٍ عنده وإلّا فالشارع مفتوح لعودة من يخالف رغباته".

"لماذا!! لأننا بقينا في الشارع أكثر من ثلاثة أشهر، ذقنا كلَّ ما يمكن أن تتخيله من ذل ومرارة وهوان، الكل كذب علينا واستغلّنا، القريب قبل البعيد. الدواء الدائم لزوجي غالي الثمن، يعطيني الشاويش جرعته الأسبوعية اللازمة بعدما أنهي مهمتي الليلية لديه، هو دون شك يحضره من إحدى الجهات المانحة مجاناً، ربما على اسم زوجي، نحن لم ننجح بذلك رغم محاولاتنا العديدة، له طرقه الخاصة للوصول والحصول. في هذه الأيام يمكّنني المال المتبقي بسبب خروجي مع أمثالك من تأمين طعام بناتي الثلاث وحاجاتهن الضرورية، وإذا صدق ذلك الرجل الذي أعطاني رقم هاتفه الأسبوع الماضي ووعدني بالانتقال إلى بيروت والعمل هناك ضمن ظروف إنسانية أفضل فقد أستطيع إرجاعهن إلى المدارس".

"الكرامة!! تحدّثني عن الكرامة!! وهل أنت ذو كرامة وتستغل حاجة امرأة مثلي!!".

"هل ترى هذه الندوب على فخذيَّ؟ هي آثار حروق أعقاب السجائر، يكويني بها زوجي أحياناً خلال نومي، أساساً لم أعد أشعر بوجعها، حتى أنني صرت أتلذّذ بها، ساعدتني على الإنفصال عن جسمي تماماً في الليل كما في النهار".

"ما أن أسند رأسي إلى الأرض أو إلى أي شيء آخر حتى أطبق جفنيّ، لا أريد أن أحفظ وجوههم، كي لا أكرههم، لا أريد أن أكره أحداً، فقط أريد أن أكره نفسي، أنا الخائبة حين جئتُ بقدميّ إلى هذه الحياة التعيسة ولا أفكر إلا بالخلاص منها ومن هذا العالم البشع، أرغب في الموت اليوم قبل الغد، فكرت طويلا بالانتحار لكنني تراجعت في اللحظة الأخيرة. أنا جبانة، ماذا لو حاولت ولم أنجح في ذلك؟! ماذا سيحلّ ببناتي من بعدي؟!".

"هل تصدق أنني منذ خرجت إلى الشارع في المرة الأولى لا أتطلع بعيونهنّ ؟! إبنتي الكبيرة صارت في الثانية عشرة من عمرها، لم أكن بجانبها حين جاءتها الدورة الشهرية الأولى واستعملت قطعة قماش وسخة. أعرف أن موعد ذهابها معي هناك لم يعد بعيداً، لكنني أجتهد بتجاهل ذلك ونسيانه، وحتى ذلك الحين لا أفكر إلا بشيء واحد: أن أقتل نفسي، وأرجو أن أمتلك الشجاعة لقتلها".

"أنا يا سيدي أحمل إجازة في علم المكتبات من جامعة حلب، وهذه الكتب التي تتربع خلفك في المكتبة أعرفها كلها، لكن الكتاب الوحيد الذي فاتني هو كتاب الحياة اللعين. ارجوك قم إليّ وليكن ذلك سريعا لأن الوقت قد تأخر كثيرا، أعدك بتعويض ذلك في المرة القادمة، يبدو أنك زبون محترم! هل عندك واقٍ أم أعطيك؟! عندي جميع المقاسات".

increase حجم الخط decrease