الأربعاء 2014/11/19

آخر تحديث: 17:55 (بيروت)

لعبة PS4 "سارق السيارات"... ممنوعة؟

الأربعاء 2014/11/19
لعبة PS4 "سارق السيارات"... ممنوعة؟
increase حجم الخط decrease

بعد إطلاقها مؤخراً بنسخة PS4 (بلاي ستايشن 4)، تداول ناشطون لبنانيون خبراً في مواقع التواصل مفاده أن "لبنان منع بيع النسخة الجديدة من لعبة الفيديو المعروفة "باسم سارق السيارات" أو GTA، وأعلن المدوّن جينو رعيدي، أنه قام اتصل بمتاجر "سوني" في بيروت للتأكد من صحة الخبر، وقوبل بالرد بأنّ "اللعبة غير موجودة لأن الدولة منعتها".

وفيما وضع رعيدي هذا التصرّف في سياق المنع والرقابة التي تمارسها السلطات اللبنانية على الكتب والأفلام والموسيقى والمسرحيات والمواقع الالكترونية، حاولت "المدن" التواصل مع متحدث باسم الأمن العام اللبناني (باعتباره الجهة الرقابية حالياً) للتأكد من صحة الخبر، والوقوف عند أسباب المنع، ومعرفة ماهية المعايير التي تصنف على أساسها المواد التي تستوجب الحظر، غير أنها لم تستطع التواصل مع متحدث باسم الأمن العامن ولا حتى مع المدوّن رعيدي.

لكن البحث عن طبيعة اللعبة ومضمونها وفكرتها، يعطي مجموعة إشارات، يمكن جمعها والاستنتاج من خلالها ماهية أسباب منع بيعها في لبنان، في حل صحّ المنع فعلاً، إذ يبدو أن اللعبة متوافرة في عدد من متاجر الأحياء دون المراكز التجارية الكبرى.

واللعبة المؤلفة من خمس نسخ، اسمها مستقى من مصطلح يشير إلى سرقة السيارات. وتقوم فكرتها على اللعب في مواقع وهمية شبيهة بالمدن الأميركية، وهي تركّز على عالم حر يمكن للاعب فيه اختيار مهماته، فضلاً عن المشاركة في الأنشطة الجانبية. وكثيراً ما أثير جدل حول مضمون اللعبة نظراً لاحتوائها مواد تحضّ على العنف. علماً أن اللعبة مصنفة لمن يتعدّى سنهم 18 سنة، إذ إن السلسلة تتمحور حول مجموعة "أبطال" يحاولون الوصول لمبتغاهم من خلال ممارسة الجرائم، رغم أن دوافعم تختلف في كل نسخة من اللعبة. كذلك تحتوي اللعبة على مشاهد قتل ودماء وسرقة وممارسة الجنس مع "عاهرات" ومن ثم قتلهن او الاعتداء عليهن بالضرب.

واللعبة التي تم إصدار النسخة الأولى منها العام 1992، من قبل شركة "روك ستار" البريطانية، ممنوعة اليوم في عدد من البلدان حول العالم، منها: السعودية، الامارات، كوريا الجنوبية، البرازيل وتايلاند. أما الأسباب فتتراوح بين "مضمون يحرض على العنف" و"احتواء اللعبة مضموناً جنسياً ومَشاهد غير أخلاقية"، أو أن "عدداً من الجرائم تم ارتكابه نتيجة التأثر بمضمون هذه اللعبة". وبحسب مجلة "فوربس" فإن "النسخة الجديدة من لعبة سارق السيارات، أفظع من كل النسخ التي سبقتها"، ذلك أنّ "النسخة الجديدة تقوم على فكرة أن اللاعب هو الذي يدير كل المهمات التي تحتويها اللعبة. كما أن النسخة الجديدة، وبعكس سابقاتها، تظهر المشاهد الجنسية كما هي، بعدما كانت تعرض سابقاً في شكل إيحاءات".

أمام هذه الوقائع، قد تصبح مفهومة الأسباب خلف قرار منع اللعبة في لبنان، إن كان هناك منع فعلاً. لكن هذا الأمر لا يلغي ملاحظتين:

أولاً، الانتقائية والاستنسابية في عملية المنع التي تطاول مختلف الانتاجات الفنية والثقافية وصولاً إلى ألعاب الفيديو. فإذا كان السبب وراء منع "سارق السيارات" هو التحريض على العنف، فإن هذا الأمر يستوجب ايضاً منع كل ما تنتجه بعض الجهات الحزبية أو التنظيمات المسلحة سواء كانت لبنانية أم عربية، إذ أن الالعاب الموجهة للأطفال والتي تدعو إلى قتل "العدو" ومحاربته، تصبّ عملياً في المسار نفسه، وإن غُلّف العنف والتحريض عليه بإيديولوجيا "المقاومة" أو "الوطنية" أو "القومية" أو حتى الدين/الطائفية. علماً أن المنع، في عصرنا هذا، يبدو مضحكاً في ظل القرصنة السهلة والمصادر الالكترونية والرقمية المفتوحة، لا بل يزيد في "ألق" المنتج الممنوع.

ثانياً، تعود إلى الواجهة مسألة الأمن العام، كجهة صالحة لدور الرقيب، ومعها مسألة الرقابة عموماً والتي ما زالت تنفذ في بلادنا على طريقة الوصاية الأبوية التي تفرض من مرجعية "عليمة" على شعب قاصر. في حين أن التحديد العُمري للألعاب والأفلام وغيرها أسلوب يترك الخيار لراشدين. كما أن المجتمع هو من يجب أن يفرز "مراقبيه" (ثمة تجربة في بريطانيا)، وذلك طبقاً لمعايير تتوافق حولها مختلف الفئات المجتمعية، عبر هيئة مدنية أو قضائية (وليست أمنية!)، وربما تكون منتخبة، بصلاحيات تتم مناقشتها ثم الاتفاق عليها، وتتراوح ما بين التوعية والتشهير بما يحمل محتوى يشكل خطراً ما على المستخدم، وصولاً إلى حظره أو تقنينه أو حدّه في قنوات استخدام/استهلاك دون أخرى. وحتى معايير "الخطر" يجب أن تخضع للنقاش العام، بعيداً من تعبير "الأخلاق" الفضفاض، خصوصاً في ظل منتجات الإعلام، والإعلام البديل، التي ما عاد في الإمكان حجبها، سواء أعجبنا ذلك أم لا، وذلك ما يؤكد أهمية زيادة الوعي العام على دور الأهل والمدرسة، وعلى ما هو مسيء: عنصرياً أو جندرياً أو نفسياً أو اتجاه الطفولة، الخ.. وبشكل علمي ويجاري طبيعة العصر. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها