الجمعة 2015/07/24

آخر تحديث: 17:51 (بيروت)

برديس وشاكيرا: صنم الدولة يحاكم "الدعارة الفنية"

الجمعة 2015/07/24
برديس وشاكيرا: صنم الدولة يحاكم "الدعارة الفنية"
increase حجم الخط decrease
نسيان الشعب المصري لحدث عارض يمر على الشاشة، لا ينطبق على الدولة المصرية. فمرور شهور على إطلاق كليبي "ياواد ياتقيل" لبرديس و"الكمون" لشاكيرا المصرية، لم يثنِ الدولة عن متابعة القضية وملاحقتها. ذلك ان المسألة تتعلق بمضبطتها الأخلاقية التي كانت في أعلى معدلاتها في الفترة الماضية، مع تحفظ الرئيس السيسي على مسلسلات "الجنس والمخدرات" في رمضان، وبيان نقابة المهن التمثيلية الرافضة للمشاهد التي تشوه مصر في نفس المسلسلات، وقبلها حبس بطلة كليب "سيب إيدي" بتهمة إشاعة الفجور.

لا يتعلق حادث القبض على الراقصتين وحبسهما على ذمة التحقيق في قضية التحريض على الفسق والفجور، بتورط الدولة في التعدي على الحريات فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى ممارسة التأويل. الدولة إذن لا تحاكم الراقصتين بقدر ما هي تحاسبهما على النتائج التي افترضتها، مثلما قالت تحريات النيابة "إن الأفعال التي تقوم بها الراقصتان، تتنافى مع قيم وأخلاق الشعب المصري"، وأن "الفن يقيس رقي وحضارات الأمم"، وأن "ما يقدم ليس فنا ويسيء للمرأة المصرية، وهدفه الشهرة وجمع المال". نحن إذن أمام وجهة نظر نقدية للكليبين في حيثيات القبض على الراقصتين.

لكن السياق هذه المرة هو "العدالة". فكما حوكمت بطلة كليب "سيب إيدي"، كان لا بد أن تحاكم أيضاً من يبدو أنهما "أكثر أهمية"، ليصبح الجميع سواء على المقياس الأخلاقي الدولتي، وهمّه ملاحقة الانتشار لا الفعل، الذيوع لا الممارسة. هي إذن محاكمة المشهد على مشهديته. هنا، يتبدى الهوس بالعلنية، هاجس الطبقة الوسطى المصرية. فما يظل حبيس الأماكن المغلقة يبقى كذلك، أما ما يخرج للجماعة فلا بد له من معيار موحد.

ليست المرة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة للدولة المصرية في إثبات تمسكها بمفهوم الأخلاق كما تكرسه الطبقة الوسطى، خصوصاً مع استعمالها لجناحها القضائي لتحويل هذا المفهوم إلى إجراءات ملزمة وعقوبات متوقعة. لكن اللافت هذه المرة أنها تأخرت في القيام بذلك الإجراء لأشهر، وما حدث مع هذا التأخير هو إحياء للكليبين، اللذين يظلان محض فرقعة افتراضية جاءت وذهبت.

وبحسب "اليوم السابع"، فقد تم إلقاء القبض على الراقصتين من ملاهٍ ليلية، التي هي بالضرورة أماكن ترفيه تعمل تحت سلطة قانون الدولة وتقدم فيهما وصلات رقص شرقي، ويرتادها أفراد من المجتمع نفسه الخائف على فضيلته. إذن فالمشكلة في الكليبين هي مشكلة "كمية" أي في عدد الذين سيشاهدونها.

الراقصتان بدورهما ذهبتا إلى القول: "اشمعنى هيفاء وهبي. واللي مش عاجبه ما يتفرجش". الزج باسم هيفاء مرة أخرى في قضايا من هذه النوعية، هو تأكيد ضمني على استقواء الدولة على من تقدر على تبعات القبض عليه، لتأكيد مشهدية معيارها الأخلاقي فحسب، وهو ما جعل برديس تقول لشاكيرا بحسب بوابة فيتو "كلها سنة ونخرج زي رضا الفولي"، وتقصد بطلة كليب "سيب إيدي"، ثم ما صرحت به برديس في فيديو مصور لهما: "انتم اللي أجبرتونا نعمل كده مع وجود الأجنبيات في مصر".

ما حدث كان فرصة مواتية لتامر أمين كي يخرج على الناس في برنامجه على شاشة "روتانا مصرية"، ليقول أن ما تقدمه الراقصتان "دعارة فنية"، وكان يجب على الدولة أن توقف هذه الممارسات، خاصة وأن ضبط ملابس الراقصات هو الهم الأكبر الذي يشغل تامر أمين في برنامجه العام الماضي.

الحكاية إذن ليست في الراقصتين أو الكليبات، بل في هوس دولة بتسييد معيار أخلاقي وتأكيد مشهديته عبر بسط نفوذها القضائي على تأويل هذه الكليبات والقفز إلى نتائج محتملة نتيجة وجودهها، وهو ما يمكن أن نشهد معه في المستقبل محاكمة على ألفاظ تكتب في مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى "التحريض على الرذيلة". ذلك الاتهام المائع المتروك لتقديرات فردية.

كل ما حدث ويحدث وسيحدث إذن هو هاجس الحفاظ على صنم الفضيلة في فاترينة الدولة وإجراءاتها المنظمة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها