الجمعة 2015/11/27

آخر تحديث: 17:31 (بيروت)

الصين هزّت اقتصاد العالم.. وتماسكت خلف "سورها" الرقمي

الجمعة 2015/11/27
الصين هزّت اقتصاد العالم.. وتماسكت خلف "سورها" الرقمي
الاستقلالية الالكترونية معززة برقابة شديدة لا مساومة عليها
increase حجم الخط decrease

في الأسابيع القليلة الماضيّة، اهتزّت أسهم الصين وتبدّل سعر الـ"يوان" (العملة الصينيّة)، فارتعدت فرائص الأسواق والبورصات والعملات وأسعار الذهب والنفط. ولآجال طويلة، درج القول بأن الولايات المتحدّة هي "قاطرة اقتصاد العالم"، فإذا اهتزّ اقتصادها، ارتعدت فرائص اقتصاديات الدول كافة، وعانت شعوب الأرض جميعها، وهو ما كان البرهان الأقرب عليه في الأزمة الاقتصادية التي استهلت في 2008 وما زالت تفاعلاتها وتعافياتها وانتكساتها مستمرة.

إذاً، هل باتت "القاطرة الثانيّة" لاقتصاديات الكرة الأرضيّة قاطبة؟ الأرجح أن ذلك ما برهنته أزمة أسهم الصين وعملتها في صيف 2015. واستطراداً، فالأرجح أن يطول الحديث عن "النموذج الصيني" ومدى نجاحه أو اخفاقه في تلك الأزمة، وكذلك الحال بالنسبة لدلالة حدوث تلك "الأزمة الصينيّة" التي تتشابه مع الأزمات المتكرّرة التي تشهدها الدول الصناعية الكبرى الراسخة القدم في نظام رأسمال السوق وقواه. هل خرج "النموذج الصيني" من أزمة يحتمل أن يصبح تكرارها جزءاً أساسيّاً من صورته؟ هل يوجد فعليّاً "نموذج صيني"؟ ماذا عن العلاقة بين الأبعاد السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في "النموذج الصيني" من جهة، ومساراته ونجاحاته واخفاقاته ومآلاته من الجهة الثانيّة؟

الأرجح أن ما سبق مجرد نموذج عن أسئلة تثيرها الصين المعاصرة. ويتبادر إلى الذهن سريعاً أن الصين واقتصادها، يملكان أبعاداً متشعبّة مع ثورة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. لعل النموذج الأبرز عن ذلك الأمر هو موقع "علي بابا" Ali Baba للتجارة الإلكترونيّة ("إي كومِرس"e- commerce) الذي يحتلّ الموقع الأول في ذلك النوع من المواقع، إضافة إلى كونه أحد أضخم المؤسّسات في الاقتصادين الرقمي والتقليدي. 

وفي واحد من المناحي التي تميّز الصورة الرقميّة للصين، أن شبكاتها للتواصل الاجتماعي ("سوشيال ميديا" Social Media)، لا زالت "مستقلة" عن بقيّة الشبكات عالميّاً. يشبه ذلك أيضاً القول بأن محركات البحث الصينيّة (يهيمن عليها محرّك "بايدو" الشهير)، "مستقلة" عن محرّكات البحث عالميّاً. وبديهي القول استطراداً، بأن هناك من يرى في تلك "الاستقلاليّة" عزلة خانقة خلف "سور الصين الرقمي" للرقابة الصارمة للحزب الشيوعي الصيني الذي ما زال ممسكاً بالسلطة والنظام والدولة في "بلاد العم ماو".

وقبل بضع سنوات، حاول محرك البحث "غوغل" أن يخترق ذلك "السور"، وساندته وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون ولجان في الكونغرس والبنتاغون. وربط الكونغرس والبنتاغون بين السماح لـ"غوغل" بالعمل بحريّة في الصين، وبين علاقات البلدين في التجارة والسياسة. لم يجد ذلك نفعاً. وانتهت تلك المحاولة إلى فشل ذريع، بل أن الحكومة الصينيّة لم تخف أبداً أنها تتمسك بفرض رقابتها على الانترنت، وقدّمت لذلك ذرائع لا يتسع المجال لعرضها ولا لنقاشها.

ففي صورة التواصل الاجتماعي، تهيمن شركة "تنسنت" Tencent التي يعتقد أنها مجرد واجهة للحكومة الصينيّة، على شبكات الـ"سوشيال ميديا" عبر موقعها "كوزون" Qzone المخصّص للتواصل الاجتماعي. وتضم شبكة "كوزون" قرابة 640 مليون حساباً نشطاً، وهي الأولى للتواصل بين الناطقين باللغة الصينيّة أيضاً. وإذا كانت شبكات الإعلام الاجتماعي تعني بالنسبة للجمهور العالمي، مواقع كـ"فايسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" و"أنستاغرام"، فإنها بالنسبة لبلاد العم ماو، لا تعني سوى كلمة واحدة: "كوزون"! الأرجح أن ذلك مظهر مكثّف آخر لمعنى العيش المنغلق خلف "سور" رقمي عظيم، بل ربما يفوق "سور الصين العظيم" بما لا يقاس.

ووصل عدد سكان جمهوريّة الصين الشعبيّة إلى 1.4 ملياراً، يعيش قرابة 65% منهم في مناطق حضريّة. ويستخدم 642 مليون شخص الانترنت من داخل الصين، ما يساوي انتشاراً لتلك الشبكة مقداره 47%، وتستحوذ شبكات الـ"سوشيال ميديا" على معظم ذلك الجمهور (قرابة 630 مليوناً)، ما يمثّل قرابة 46% من السكان.

وإذ تضمّ الصين 1.3 مليار مستخدم مستقل للخليوي، ما يساوي 93% من السكان، وهي إحدى أعلى النسب عالميّاً، فإن عدد الحسابات النشطة على
الـ"موبايل سوشيال ميديا" يزيد على 520 مليوناً، ما يعني انتشاراً بين السكان بقرابة 40%، ما يقترب من المعدلّ العالمي (38%).

وفي منحىً متّصل، يظهر فارق كبير بين أعداد من يصلون إلى الانترنت عبر الخطوط الأرضيّة الثابتة (75%) وبين من يتّصلون بها عبر الأجهزة اللاسلكيّة (25%). ويبعد ذلك قليلاً عن المعدل العالمي للاتصال بالانترنت عبر الأجهزة اللاسلكيّة (38%).


اللاسلكي "مَهْرَباً"

في المقابل، تنقلب تلك الصورة إلى عكسها تماماً في استخدام "موبايل سوشيال ميديا". إذ سجّل قرابة 550 مليون حساباً نشطاً على "موبايل سوشيال ميديا"، من أصل قرابة 630 مليون مستخدم للشبكات الإعلام الاجتماعي عموماً. ويعني ذلك ببساطة، ان صورة "سوشيال ميديا" مرتبطة بشكل وثيق بالأجهزة اللاسلكيّة النقّالة، وليس بالكومبيوتر المكتبي ولا المحمول.
في ذلك المعنى، يبدو أن ظاهرة التدوين الإلكتروني ("بلوغرز")، تراجعت بشكل قوي في بلاد العم ماو. ويتّفق ذلك مع الحرب الطاحنة التي شنّتها الحكومة الصينيّة على المُدوّنات الإلكترونيّة وأصحابها الذين يقبع جزء منهم في السجن، فيما نجحت فئة قليلة منهم في مغادرة البلاد إلى الدول الغربيّة.

وتصل المدّة التي يقضيها الصيني على شبكات الـ"موبايل سوشيال ميديا" إلى قرابة ساعتين وأربعين دقيقة، بالمقارنة مع قرابة 4 ساعات من اتصال الفرد الصيني بالانترنت عبر الأجهزة كافة. ويلاحظ زمن التواصل الاجتماعي للفرد الصيني عبر الأجهزة كافة، سواء متنقّلة أو ثابتة، يصل إلى ساعة و45 دقيقة، ما يعني أن مستعملي الأجهزة المتنقّلة (خليوي، "تابلت"...)، يقضون وقتاً أطول على شبكات التواصل، وهو ما ينسجم مع الصورة العامة للـ"موبايل سوشيال ميديا".

وعلى سبيل المقارنة، لا يقضي الفرد الصيني سوى قرابة ساعة ونصف يوميّاً في مشاهدة التلفزيون! هل تتدخل السياسة والرقابة الحكوميّة الصارمة في ذلك الرقم، بمعنى انصراف الناس عما ربما يعتقدون أنه يُدار من قِبَل السلطة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني؟ لماذا لا تحول الرقابة الحكوميّة الصارمة دون استخدام الصينيين للانترنت على نطاق واسع؟ الأسئلة كثرة في ذلك المجال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها