الثلاثاء 2014/09/02

آخر تحديث: 20:03 (بيروت)

علي جمعة.. عندليب الفتاوى

الثلاثاء 2014/09/02
علي جمعة.. عندليب الفتاوى
increase حجم الخط decrease

يشبه المفتي السابق علي جمعة مؤسسة الأزهر التي ينتمي إليها. هو نموذجها الأنصع على ما آل إليه الخطاب الديني الرسمي. فهو يقدر على تطويع معرفته الدينية الهائلة لأي تيار. النص الديني مفتوح للتأويل، السلطوي منه على وجه التحديد. علي جمعة مهيب الطلعة، وقور، يبدو منطقياً، لكنه يضمر وراء كل هذا خسة وانحطاطاً، هي بالضبط حال البطريركية الإسلامية الكبرى الأزهر.

ومثل الأزهر، يتكلم علي جمعة في كل شيء وأي شيء. ففي كل مجال لديه ما يقوله وما يفتي به. بدءاً من السياسة وانتهاء بالتكنولوجيا. لا شيء يمكن أن يخفى على العالم الأزهري المفتي السابق للجمهورية، الطامح السابق أيضاً إلى كرسي المشيخة، المتصوف الذي رأى الرسول في أحد دروسه –كما نقل مريدوه بتواتر لا يقبل الشك- وهو –قبل كل هذا- المتمسح في السلطة.. أي سلطة.

في منتصف 2007، خرج علي جمعة، حينما كان المفتي، عبر شاشة التلفزيون الرسمي، وفي أكثر برامجها شعبية وتأثيراً وقتها "البيت بيتك" بفتوى التبرك ببول النبي. واستشهد فيه بما روي عن السيدة التي شربت بوله فنَجت من النار. وهو من أجاز كذلك تقبيل سور ضريح الحسين. هي الفتاوى التي دافع عنها باستماتة الصوفي العارف، وقال "إن الأساس في فتوى تبرك الصحابة ببول الرسول هو أن كل جسده طاهر، فكل شيء في النبي طاهر بما في ذلك فضلاته". أما عن جواز تقبيل ضريح الحسين قال: "إنني كنت أرد بهذه الفتوى على سؤال لأحد المواطنين في مسجد السلطان حسن، حول ما إذا كان تقبيل سور ضريح الحسين يعد شركا بالله فأجبت بأن هذا ليس شركا بالله وإنما هو نوع من أنواع إظهار الحب.. ولا أقول للناس اذهبوا وافعلوا ذلك لأن العرب كانت تقبّل دار الحبيب".

بعد الثورة، وقد صارت السياسة حديث الشارع وشغله الشاغل، لا يمكن لعلي جمعة ألا أن يكون جزءاً من المشهد. ففي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأولى 2012، والمنافسة بين أحمد شفيق من ناحية ومحمد مرسي من ناحية أخرى، حينما سعت القوى الثورية الى الامتناع عن التصويت أو انتخاب مرسي لئلا يكون رجل من النظام القديم على رأس السلطة في مصر، خرج علينا العالم الجليل بفتوى، بعد سؤاله عن رد فعله في حال فوز مرسي، فرد: "مستحيل.. لن يحدث"، متهماً مرسي بالتألّي على الله، وامتدح شفيق بقوله: "سأذهب إلى بيته وأهنئه، لأنه أقرب إلى الله من الآخر.. ليس دفاعاً عن هذا أو ذاك وإنما دفاعاً عن القيم التي تركها لنا رسول الله فلا تنسى في خضم الأحداث".

لا يكتفي جمعة من إعلاء موقفه وموقف الدين الذي يحمله من الدولة. فها هو، بعد عزل مرسي، يتحدث ماسحاً الجوخ للجيش بلا أدنى حياء، ويصف الإخوان بـ"الخوارج"، ويقدم نصيحة للسيسي ويقول "اضرب فهم خوارج". أما الآن وبعدما "استقر" الشأن السياسي في يد السلطة كما يحب هو ومؤسسته الأزهر، عاد إلى إثارة الجدل في ما لا طائل منه. ففي بداية هذا الشهر انتشر له فيديو يقول فيه "إن على الرجل الاتصال بزوجته قبل الرجوع إلى المنزل لعلّ معها أحد الرجال فيعطيه فرصة للانصراف". وأضاف: "اتصل بيها يا أخويا افرض معاها واحد خليه يمشي".

أما الآن، وقبل أن تخفت الأضواء ثانية، يجب العودة إليها ولو بكلام لا معنى له. فمن العدم خرج في برنامج "الله أعلم" على شاشة "سي بي سي"، ليدافع عن عبد الحليم حافظ، ويقول عنه أنه "كان مؤمناً، وبيحب النبي قوي، وأغنية أبو عيون جريئة عملها للنبي"، وهو ما أثار مواقع التواصل مرة ثانية ضد شيخ التصريحات المثيرة، لنكتشف أن عبد الحليم في أحد البرامج الإذاعية حكى عما فعله الناس بإحدى أغانيه حين حولوها إلى أغنية دينية في مدح الرسول، لا كما ذكر المفتي السابق.

ماذا يريد علي جمعة؟ هذا هو السؤال المكرر مع كل واقعة يكون بطلها، فلا هو يجدد في شكل الخطاب الديني، ولا هو واسع المعرفة بشكل استثنائي لا يجود الزمان بمثله. مجرد شيخ من مشايخ المؤسسة الأكثر تكلساً في المنطقة، يحب الأضواء بعدما زالت عنه السلطة. هل نسميه "عندليب الفتاوى" كما أطلق عليه بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي؟ الإجابة في رأس الشيخ الغريب وحده.

increase حجم الخط decrease