الأربعاء 2014/09/17

آخر تحديث: 18:22 (بيروت)

حرب غزة التي صنعت إعلاميين..

الأربعاء 2014/09/17
حرب غزة التي صنعت إعلاميين..
increase حجم الخط decrease

تحوّل فضاء النشاط الإلكتروني البديل، خلال 51 يوماً من الحرب على غزة، إلى وكالات أنباء صغيرة. خسرت وسائل الإعلام التقليدي حيزاً كبيراً من امتدادها، في حين نقل الناشطون الإعلاميون الأخبار بطريقة صحافية محترفة.

وتسابق نشطاء العالم الافتراضي الغزير، بنسخ ونقل الاحداث الواردة بقوالب تعتمد صياغات ومفردات الصحافة الاحترافية. بامكانك ملاحظة هذا الجهد، وكأن الجميع تتلمذ على يد الأستاذ نفسه: يتماهى مع جو حضرة المعركة، ويذوب بالمزاج الجمعي. وقد عزّز ذلك رغبة الجميع بمعرفة أخبار الجميع، وما يحدث بكافة المناطق، حيث يمكن لطائرة حربية اسرائيلية ضرب عدّة اهداف -على امتداد القطاع- بطلعة جوية واحدة، نظراً لمساحة القطاع الصغيرة نسبياً وشكله المستطيل الممتد من الشمال إلى الجنوب.

نتيجة لذلك، ضاعت الصياغات الشخصية التي تنقل الأحداث في اللحظة المحيطة بالمغرّد، وتختلط بتفاعلاته السيكولوجية مع الحدث الذي يمكن أن يلعب خلاله دور شاهد العيان المتفاعل. إزاء هذا المشهد، فقد الإعلام البديل أهم ما يميزه نتيجة الصياغات الجاهزة للخبر المنقول. استطاع عدد قليل من نشطاء الاعلام الاجتماعي لينقلوا لأصدقائهم/متابعيهم ما يدور في مناطق اقامتهم كأفراد. كل منهم شاهد عيان متفاعل مع حدث بذاته من شبّاك بيته أو من بلكونة غرفته وهو قلق أثناء تدخينه سيجارة.. ويفاجأ بحدث مباشر يتفاعل معه ويشاركه.

اسماء كثيرة برزت خلال الحرب الأخيرة على غزة. لعب المغرّد محمود إسماعيل (من بلدة  خزاعة -أقصى شرق مدينة خانيونس) دور "شاهد عيان متفاعل". بلدته شهدت مجزرة وحصاراً واستهدافات عشوائية. أصيب خلالها اصابة طفيفة، وقُتل عدد من أفراد عائلته، وجيرانه. لكن إخفاقاته، لم تكن نتيجة للأحزان. بل نتيجة لانقطاع كامل للتيار الكهربائي كانت اعتمدت عليها اتصالاته مع متابعيه. التواصل إعتمد على نفاذ بطارية هاتفه المحمول وامكانية اتصاله بالانترنت، ونقل حدث كان جزءاً منه.

بالطريقة نفسها، تفاعل المدوّن الغزي محمود بشير (من حي الشيخ رضوان، وسط مدينة غزة) مع اتصال ضابط مخابرات الإحتلال ومطالبته لعائلته إخلاء بيتهم تمهيداً لقصف منزل عائلة أبو توهة الملاصق لهم. شارك بشير عبر "فايسبوك" تدوينة قصيرة - من داخل البيت- تصوّر ردة فعل أفراد عائلته وتفاعلهم مع حدث الإخلاء، وتوجساتهم تجاه الهاتف الأرضي، رنة برنة، ومراقبة ملامح المجيب وتعليماته.

ويقول محمود الجزار من حي الجنينة (شرق مدينة رفح) أنه استخدم امكانيات هاتفه المحمول لنقل ما يحدث في محيط منزله عبر "إنستغرام" و"يوتيوب"، وقدّم عدداً من مقاطع الفيديو القصيرة لأماكن تقصف، وكان يوثّقها من الحارة أو السطح. بينها مقطع يعلق فيه على الفيديو: قصف بيت نافذ غزام من تصويري، كذلك قصف رفح.

داخلياً، تكوّنت شبكة مراسلة اجتماعية صوتية إستغلّت تطبيقات تستخدم خاصية (Push to talk). قام عدد من الناشطين الغزيين بإنشاء قنوات متخصصة بنقل الأحداث الميدانية أثناء العدوان، نقلت هذه القنوات الأخبار بردّات فعل صوتية اتجاهها، باللهجات العامية، وكانت أكثر الطرق نجاعة في نقل الرواية الشعبية بعيداً من الإذاعات المحلية الموجهة.

غالبية النشطاء الذين اعتمدوا نقل الأحداث بالطرق الصحافية التقليدية، وبشكلها الحِرفيّ، وحاولوا تغطية امتداد القطاع عبر بروفايلاتهم الشخصية، لم يستمروا على المنوال ذاته، وتناسب النقل بشكل عكسي مع اشتداد الحدث الميداني. فكثافة الأخبار الواردة تحتاج امكانية تَفوق امتلاك بروفايل شخصي. علاوة على عدم اتساقها مع ما خلق لأجله الإعلام الاجتماعي البديل، كصانع شاهد عيان متفاعل ومشارك لمحيطه. فالمجتمع الإعلامي عامةً ليس بحاجة الى ناسخ/لاصق جديد. 

increase حجم الخط decrease