الأربعاء 2018/04/04

آخر تحديث: 18:28 (بيروت)

نحو إنتخاب جو رعد!

الأربعاء 2018/04/04
نحو إنتخاب جو رعد!
كل معنى الانتخابات هو في انتخاب جو رعد
increase حجم الخط decrease
قبل اسابيع، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، في مقلبها المحلي، بخبر ترشح جو رعد إلى الانتخابات النيابية. ولمن لا يعرف رعد، فهو مهني من مهنيي المؤسسة الغنائية السائدة، بحيث أنه يصنع إطلالات الفنانات والفنانين باعتباره مزيناً ومصفف شعر. ومنذ فترة، قرر التحول إلى زبائنه، أي أنه صار مغنياً. 
حسناً، سيرة رعد هذه، والتي تخلص إلى تعريفه المذكور، تبدو وكأنها لا تنطوي على أي ميزة، وهي فعلياً كذلك، لأن كل ميزتها ظاهرة على السطح، يعني على شكل صاحبها إياه. ذلك أن رعد يشعرك بأنه ليس كائناً حياً، بل شخصية بلاستيكية بامتياز، من إنتاج النظام الميديوي، أو بالأحرى، ومن أجل الدقة، هو تطبيق بالمعنى الحرفي لهذه الشخصية، التي لا يحتكرها البتة، بل يتشارك تنفيذها وإتمامها، أو عيشها بالكامل، مع مشابهين له: فيفو، إيلي باسيل، وأمل حمادة، وهيفا ماجيك، وغيرهم طبعاً.
 
رعد، وهؤلاء، هم تطبيقات لتلك الشخصية، التي لا تقوم، بدايةً ونهايةً، إلا بكونها وجهاً، بلا ملامح وبلا تجاعيد، أي بلا زمن ماضٍ أو مستقبل، بحيث أنه وجه حاضر وجامد، راسخ في حضوره وجموده أمام الكاميرات، أو الهواتف الكاميراتية، التي خلقته لتلتقطه، أو خلقته ملتقطاً. 

وجه رعد ووجوه زملائه، هي وجوه الإعلام الفائق، والفاقع أيضاً، وجوه النجومية فيه. قد تصح الإشارة إلى بعض سماته: رحب وأملس، سوى من شفاه نافرة ومعدة للتقبيل الدائم، وهذه شفاه المستهلك (عرة، tic، امتصاص العدسة له، عرة انتقاله إليها)، ووجنتين عظميتين بارزتين، وهما وجنتا المستهلك في مرحلته القصوى، حين يصيبه، كأي مدمن، الذوبان في إثر المادة التي تتعاطاه أكثر مما يتعاطاها. 

إذاً، هذا الوجه هو وجه المستهلِك والمستهلَك معاً، وجه الذي يستهلك ذاته الميديوية، فيصير نجماً، والذي تستهلكه هذه الذات، فيصير سلعة. وفي كل حال، كل نجم هو سلعة عرفت كيف تكون موضوع استهلاك لأنها، وقبل ذلك، عرفت كيف تفرط في استهلاكها. 

رعد هو تطبيق لشخصية النجم-السلعة، الشخصية التي ولدت لتتصور، والتي تولد المتفرجين عليها، أي تولد الطامحين إلى أن يكونوا على شاكلتها الـ"سيلفية"، المعدة للـ"سيلفي" دائماً، بحيث أن كل إيماءاتها هي وضعيات "سيلفي": homos ego، يتصور مع الجميع لا سيما حين لا يتصور مع أحد. 

باختصار، شخصية رعد هي شخصية النجم الجديد، الذي لا ضرورة لأن يتحلى بشيء لكي يكون شهيراً، المهم أنه "يُرى"، ولاحقاً "يختار". المهم أنه، بمجمله، أي بوجهه، وهو كناية عن وجه فقط، مصنوع ليجذب، ولكي يحول المجذوبين إلى مستهلكي بضاعة أو فكرة أو خطاب (يدعى مؤثراً لهذا السبب، لأنه الماركة ومروجها). 

كل الأمور عند النجم الجديد متاحة، وكل أمر منها مفتوح على إمكانات متعددة. فهو يريد أن يرضي الجمهور، أو "بحب أبسطهم" بحسب كلماته، ولهذا، وعلى عكس النجومية القديمة، كفيروز مثلاً، والتي كان ما قبل الأجناس والأعمار والتي كانت "تبسط" بالتجميد، فإن النجم الجديد ما بعد الأجناس والأعمار، عابر لها جميعها، و"يبسط" بالتهييج، الذي لا يمكن أن يزاوله إلا إذا كان بنفسه مُزاوَلاً به، خاضعاً له. 

"يبسط الجمهور"، كل الجمهور. ولهذا هو لا شيء، لا شيء متوهجاً، سهل احترامه لأنه "غير"، وسهل شتمه لأنه "سخيف"، سهل حبه لأنه "حرام"، وسهل كرهه لأنه "جلط"، سهل اللحاق به لأنه "مسلٍّ"، وسهل إقصاؤه لأنه "يكرر نفسه". فهو عرضة لكل الثنائيات، وعرضة لكل المتناقضات، التي، ولكي يساوي بينها، ينتحب ويبكي، وعندها، الكل يتفق على كونه، ورغم كل شيء، "صادق وطيب وبريء".

لا داعي للنجم الجديد، لمواطن النظام الميديوي، لشخصيته النموذجية، أن يكون بارعاً في شأن ما. لا داعي لهذا التعب. فعلى أساس قانونه، عليه أن يكون معروفاً أولاً وأخيراً، وحينها، من الممكن "أن يكون ما يريد". أن يكون خبير التجميل، المغني، الممثل، الصحافي، الروائي، الكاتب، المثقف، الأستاذ، الفنان، الناشط، وأن يفعل أي شيء تحت هذه "الأدوار"... بمقدوره أن يكون كل هذا وأكثر، طالما أن الأمر لا يستلزم سوى صيت مركب على صورة، ومتفرجين يرددون "أنت كذا وكذا" حين ينظرون إلى وجهه الذي لا تتوقف مساحته عن الإزدياد لكي تتسع لكل عيونهم. إنها ايديولوجيا التعدد التخصصي، والإشتباك المجالي، لما تصل إلى ذروة ابتذالها.

وحين يعلن جو رعد تقدمه للترشح إلى الانتخابات النيابية، لا يسجل بفعله ابتذال تعدده فحسب، بل ميديوية الإستحقاق، وميديوية برلمانه. فأن يكون مرشحاً، ثم نائباً، فهذا أيضاً عرض إشهاري لا أكثر ولا أقل. ورعد، وبكل عفويته، يقول ذلك صراحة، ويصيب به: لماذا ليس أنا؟ ما الفارق بينه وبين السادة النواب والمرشحين، الذين يعرفهم ويعرف قياداتهم، وهم، بدورهم، يعرفونه؟ فهؤلاء، الذي يعيشون في المشهد السياسي الرسمي وغير الرسمي، يحملون وجوهاً ليست كوجه النجم الجديد، لكن الأخير يسكنها. وبعبارة أخرى، وجه النجم هو مقبلها جميعها، بحيث لا يمكنها أن ترسخ وتدوم من دون الإنقلاب إليه. هذا ما يدل عليه عدد منها، كوجه مصباح الأحدب، أو وجه عقاب صقر، بحيث تتجه بقالبها صوب وجه النجم الجديد أو تتضمن حصة منه في هيئتها.

يجد رعد أن وجهه هو وجههم، وأنه يستوفي كل شروط حضورهم في البرلمان: متابعته الكبيرة، تسليته للمتابعين، تجهزه بقاموس الكلام عما يسمى "الشعب" و"مصلحته"، تجهزه بآلة إطلاق مواقف وآراء "بوستية" متلاحقة، تطابقه معهم من ناحية أنه، مثلهم، "حر وأفعل ما أريد، لأن هذه شخصيتي"، تطابقه معهم من ناحية أن "لا أسرار عندي"، لأنه، وكدولتهم، بلا سريرة، وأزمة النفايات الماضية كانت دليل قاطع على ذلك، كما أنه متمكن من فكرة عن السياسة، وعلى منوالهم، يكتفي بها على إعتقاد أن امتلاكها يؤدي إلى ممارسة موضوعها.

بالطبع، من الممكن إطالة لائحة التشابه والتساوي بين جو رعد، بوصفه تطبيق لشخصية النجم الجديد، أو مواطن النظام الميديوي، وهؤلاء المرشحين، أكانوا نواب حاليين أم لا. فرعد، وبإقدامه على الترشح، يؤكد أن اللعبة هي لعبته أيضاً، أو بالأحرى هو المتمكن منها أكثر، وفي هذا، هو دقيق وثاقب النظر فعلاً، فبحسبه، كل المرشحون يتبعون قوانينه، ويعتمدون معاييره، ولا يمكنهم سوى أن يكونوا على "وجهه" لكي يحققوا مبتغاهم البرلماني. 

المرشح الأصيل هو جو رعد!
لكن، المشهد السياسي لم يستقبل رعد، الذي سحب ترشحه، أو علقه. بالتالي، اللعبة، التي يستطيع أن يدخلها ويجددها ويغدو متمكناً منها، لم تشرع أمامه. فقد أقفلت أمامه لكي تزعم ألا مكان له فيها، بأنها ليست سانحة سوى للـ"السياسيين"، لـ"رجال السياسة"، أصحاب الوجوه الصلبة، الذين، وحين يذكر أحدهم اسم "ميريام كلينك" بقربهم، لا يعلمون ماذا يعني بالضبط.

المشهد السياسي ترك رعد خارجه لكي يعلن أن ميديويته ليست محوره، مثلما تركه في الخارج لكي لا يظهر أن الساكنين فيه، ولكي يحافظوا على مواقعهم، عليهم، وفي لحظة ما، أن يوقظوا روح النجم الجديد فيه، روحه وجسده، أي وجهه. لم تضم أي لائحة من لوائحهم جو رعد، لأنهم جميعهم جو رعد، وها هم ينفوه لكي يعلنوا العكس.

في الواقع، إذا كان لا بد من إحراز  معنى الإنتخابات، فلا بد من إنتخاب جو رعد، انتخابه مباشرةً، وليس للوائح التي لم تضمه لكي تؤكد أنه ليس فيها، وذلك، على الرغم من أنه الشخصية الأساس لإستحقاقها. 

وهكذا، من المتاح تأليف شعارات لهذه الحملة أيضاً: إنتخبوا جو رعد كي لا تنتخبوه! إنتخبوا المرشح غير الموجود لأنه موجود كثيراً! إنتخبوا الخلاصة، وانسوا الإطناب! انتخبوا المستور لأنه يفشي! إنتخبوا المنفي لأنه كامن! 

وبما أن انتخابه مستحيل، لأنه ليس ضمن لائحة، يمر انتخابه بلا-انتخابه، وبعبارة أخرى، يكشف انتخابه عن التطابق بين التصويت والمقاطعة. كل معنى الانتخابات هو في انتخاب جو رعد، ومن الممكن أن يؤدي كل "مشروع" وأن يطرح كل "برنامج". لطالما سجل جو رعد بوجهه نظام "الكل"، والآن، عندما قرر الإقتراب منه، وحجز مكاناً له فيه، رماه هذا "الكل" بعد أن استفاد منه. انتخاب جو رعد هو بمثابة وضع خاتمة للكل، وتتويج له. انتخبوا النموذج، لا تنتخبوا المنطوين عليه الذين عزلوه لكي يقولوا لنا أنه لا يمت لهم بصلة. ولكن، جو رعد هو الصلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها