الأربعاء 2018/04/25

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

محمد صبحي وأزمة خريف العمر

الأربعاء 2018/04/25
محمد صبحي وأزمة خريف العمر
لا يملك شعبية عادل إمام ولا موهبة يحيى الفخراني ولا حيوية الشباب
increase حجم الخط decrease
أياً كانت طبيعة المناسبة أو أهميتها، فلا بد أن يكون كل ظهور للفنان محمد صبحي مثيراً. لا بد أن يتكلم وعينه على شكل التغطية الإعلامية وطبيعة الاقتباس من كلامه، ليبقى في صدارة المشهد لعدة أيام. 
محمد صبحي رجل في السبعين من عمره الآن، لم تعد لديه حيوية الممثل الذي كانه في مسرحية "الجوكر"، بل لم يعد قادراً على الوقوف على خشبة المسرح أصلاً. كما لم يعد قادراً على بيع بضاعة التقويم الأخلاقي في مسلسل "يوميات ونيس". لم يعد لدى صبحي بضاعة رائجة غير الكلام، في الوضع الراهن السياسي والاجتماعي، مستفيداً من الرصيد الذي حققه من قبل. ولعل هذا ما يتبادر إلى الذهن بعد مطالعة الفيديو الأخيرة له، في ندوة ما في مكان ما لا يعني أحداً، إلا "اللقطة" التي قدمها صبحي.

يسهل الهجوم على محمد صبحي، واتهامه بـ"التعريص"، فهي التهمة الأسهل والأوضح، خصوصاً مع العبارات العجيبة التي صرح بها في الفيديو: أن رئيس مصر لو عذب أولاده فـ"هيستعوض ربنا" ولا يمس تراب مصر. 

هذه واحدة من سوابقه بالتأكيد، فهو لا ينكر فكرة التعذيب أبداً، بل يضعها في ميزان الترجيح مع الواجب الوطني والالتزام الوطني والهوية الوطنية. وهي، وإن كانت نفاقاً، لكن لدوافع أكثر عمقاً من الدوافع السهلة الواضحة التي انتشرت على السوشيال ميديا، ساخرة وغاضبة، ومكمّلة لصورة محمد صبحي المنافقة لدى ذلك المجتمع.

واقع الأمر ان محمد صبحي يتحدث بأبجديات مختلفة تماماً عن اللحظة التي نعيشها، وهذا طبيعي. فالرجل محبوس داخل اليوتوبيا الناصرية مثله مثل أبناء جيله، لا يعرف فهماً للعالم إلا عبرها، وهو ما يتوافق –مثلاً- مع ما قام به بعض اليسار المصري في فترة جمال عبد الناصر، حين سجنوا في معتقلاته وهتفوا لحياته وبكوا على موته. تقع عبارة محمد صبحي في نفس المنطقة الذهنية تماماً، أن الوطن مقدم على كل شيء.

هذه هي أبجديات تفكيره التي توافق هوى النظام الحاكم اليوم، المستميت في استعادة الألق الناصري إلى اللحظة الراهنة، ولذلك فإن صبحي لا يتكلم مثل المقربين، بل ينتقي كلماته بعناية براغماتية للغاية. فهو هنا لا يستنكر أن الدولة –أو رئيسها على حد قوله- يمكن أن تعذب، وهو ما كان سيقوم به أحمد موسى وصحبه، ويملأون الساعات المتلفزة دفاعاً وإنكاراً.

لكن صبحي انطلق من الفرضية. نعم يعذب. الخصومة هنا بيني وبينه أمام الله، فلا شيء فوق الرئيس باعتباره ممثل الهوية الوطنية، أو هو المعادل الموضوعي لمعنى الحفاظ على الهوية.

هذا اليقين الناصري، وإيمانه بالشكل الكلاسيكي للقومية العربية، هو ما دفعه العام الماضي لزيارة سوريا، وسط وفد من الفنانين المصريين، لكنه كان الوحيد الذي وثق لهذه الزيارة بالفيديو، بحماسة زائدة، جعلت في مرمى النيران الافتراضية مرة ثانية.

ربما يحتاج محمد صبحي إلى تحقيق انجاز ما في خريف عمره، وقد جرب حظه بتقديم برنامج على شاكلة "البرنامج" لباسم يوسف، وعلى قناة CBC نفسه وفشل فشلاً ذريعاً، ولم يكمل حتى موسمه الأول. ولعله عرف من وقتها أن الزمن قد فاته، فلا هو يملك شعبية عادل إمام ولا موهبة يحيى الفخراني، ولا حيوية الشباب، ولم تبق منه إلا صورة باهتة لرجل أخلاقي يربي عياله على الفضيلة القديمة، كما في مسلسله "يوميات ونيس". 

وكم هي شاعرية المفارقة أنه قد كرّس عمره كله في تثبيت صورة "رجل المسرح"، انتهت برجل عجوز يتحدث في السياسة مثلما يفعل كبار السن في المقاهي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها