الخميس 2018/04/26

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

سيلفي سعد الحريري

الخميس 2018/04/26
سيلفي سعد الحريري
increase حجم الخط decrease
يصح القول أن سعد الحريري، وعند مقارنته مع غيره من السياسيين في لبنان، هو الأكثر لطافةً ودماثةً بينهم. ولا يتعلق وصفه هذا بتصوير التلفزيون له كعطوف على الأطفال، أو كرفيق شاب للإعلاميين، بل بطريقة تقديمه لذاته بذاته، أي بطريقة صياغته لحضوره من خلال إعلامه الشخصي، الذي يقوم بكاميرا هاتف وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ذلك، أنه، وبحسب طريقته تلك، يحسن الحفاظ على إطلالة بهيئة ثابتة، ترتبط بالموقف الذي يظهر فيه، ومؤداها قربه من المحيطين به، أكانوا زواراً أو مستضيفين، فرادى أو جماعة، زعماء أو جماهير إلخ. فغالباً ما يكون الحريري، وفي أي موقف، مجاوراً لهؤلاء، وفي بعض الأحيان، ينقلب تجاوره تلاصقاً، ونتيجة هذا، يبرز، وعلى الدوام، بحالة معينة، وهي حالة الودود، أي المحبوب والمحب على حد سواء.
وفعلياً، الحريري محبوب، ليس من "تيار المستقبل" فحسب، بل من كل المواطنين، ومن هؤلاء الذين لا يتوقفون عن ذمه حتّى. إذ أنه، ومنذ ظهوره الأول إثر اغتيال والده، الشهيد رفيق الحريري، بدا في بالهم أنه مرغم الدخول إلى مشهد السياسة، بحيث جرى رميه فيه، وراح يتلقن دروسه، ويحصل قانونه، ويكتسب لسانه، ويتعلم سقطاته، مباشرةً أمام الجميع، أو بالأحرى "لايف". 

بالتالي، كان الحريري، ولا يزال، مثال المضطر، الذي، وعندما يجتمع مع ساسة ذلك العالم، الذي جاء إليه بغتةً، يحاول، وبقدر إمكانه، ألا يقعد في إطارهم، وألا يتشابه معهم في الإطار إياه. وحين يحصل ولا ينجح في تلافي هذا، لا يجد مناصاً من إبانة اضطراره، أو إيجابه، تماماً، كما كان في إحدى الحلقات التي أعدها المذيع جورج صليبي معه على قناة "الجديد"، يوم عرف المطلوب منه، فأداه متحاملاً على التعب، ورافعاً للعتب.

عن كونه مضطراً، ينم تحول الحريري إلى محبوب، إذ أن المواطنين ينظرون إليه بوصفه متأرجحاً بين مرغم على مشهد السياسة ومتورط فيه. لذا، وحين يلقون غضبهم على زملائه، أو المماثلين له، أي الزعماء، يعفونه من هذا الغضب. فحتّى في أوج المعركة بين 8 آذار و14 آذار، كان ممانعو المعسكر الأول، ولما يهينون قادة المعسكر الثاني، يشتمون الحريري قبل أن يعودوا ويحيدوه على إعتقاد أنه ليس المسؤول عما يحدث، فـ"شو بعرفه بالسياسة". هكذا، ارتسمت صورة الحريري كمحبوب لأنه مضطر، ومضطر لأنه محبوب، وهكذا، تضمنته هذه الصورة مرتبكاً، ومتلعثماً، وخفيفاً، ومتعثراً، وفي الخلاصة، غدت هذه الصورة مركبته، التي تعينه على الإنصراف من ذلك المشهد، بحيث أنها، وبالتوازي مع إشارتها إلى أنه مضطر على الدخول فيه، تشير إلى أنه عابر له أيضاً.

وهنا، لا بد من ملاحظتين تتصلان بالحريري باعتباره مثال المضطر-العابر. 

الملاحظة رقم 1 تتعلق بتلك الصورة، التي التقطت له خلال عيد الإستقلال عام 2016، والتي علقت له في ناحية من نواحي كورنيش المزرعة. في هذه الصورة، يظهر الحريري بلحية كثيفة ونظارات سوداء من نوع  "ray-ban"، ومَن شاهدها، ومَن شاهده فيها، شعر أنها ليس ملائمة له البتة، ذلك، أنها تنطوي على ادعاء لخشونة شبيهة بغلاظة رجال المخابرات في بلدان الإستبداد، وتالياً، بعيدة عن هيئته، ولا تمت له بأي صلة. هذه الصورة هي عكس الصورة التي ألفها الحريري عن ذاته، أو بالأحرى هي عكس صورة الحريري على العموم والخصوص، فالمضطر-العابر ليس فظاً، وليس ثقيل الخلقة، بل طلق ولين، ولما "يعبي مركزه"، لا يفعل ذلك بضغطه، بل بشيء من الخلل فيه، كأنه يترك فجوة فيه ليتحرك منه. 

الملاحظة رقم 2 تتعلق بإشاعةٍ، لم يتوقف أصحابها، أكانو موالين ومعارضين، عن إطلاقها كيفما كان وفي كل مناسبة، وهي إشاعة استبدال الحريري بأحد أشقائه. هذه الإشاعة تعبّر عن كون الحريري في بال أصحابها هو مضطر-عابر، بحيث أنه ملزم بالسياسة، ويمر بها على مضض، وهذا، إلى أن يجري الإستعاضة عنه، بفعل فشل أو بدونه، بغيره، الذي سيحل مخيراً-ثابتاً مكانه. تسجل تلك الإشاعة صورة الحريري، أو تشتغل على أساسها، ومع أنها تريد الإطاحة بالمقيم فيها، إلا أنها تبين كم أنها راسخة ومتينة. فالحريري مضطر وعابر لدرجة أن الإشاعة عن اختفائه من المشهد تتحدث عن تبديله، وليس عن تنحيه، مرددةً  أنه المؤقت الذي ستأتي الساعة ويبرز الدائم محله بدون أي منازعة منه.

هذا  من ناحية كون الحريري محبوب، أي الشق الأول من حالته كودود، أما، الناحية الأخرى، ناحية كونه محباً، يعني الشق الثاني من وده، فمن الممكن الإستدلال عليها من خلال أمر محدد وقاطع، وهو: تصويرات السيلفي التي يلتقطها وينشرها. ذلك، أن هذه التصويرات  تعبّر عن حب المضطر-العابر للمحيطين به، أي عن تمسكه بهم في مشهد السياسة، وضد هذا المشهد أيضاً.

فسيلفي الحريري، وبوصفها موجز صورته، هي التي يصنعها لكي يتقي مع المحيطين به، ويقيهم، من المشهد، والتي  يتيحها لهم لأجل أن يكونوا إلى جانبه في فاصل عن اضطراره وعبوره: نتصور في أثناء إضطراري وعبوري، وذلك، لتبديد هذا الإضطرار وذاك العبور، فالشيء الوحيد، الذي يبقى من كل ظهوري في هذا المشهد، هو هذه التصويرات الذاتية. فإذا كان من الممكن تذييل الأخيرة بجملة تواصلية ما، فهي: سيلفي، والمشهد - الذي أرغمت على الدخول فيه، والذي أعبر به - خلفي!

من الممكن الحسبان أن سيلفي الحريري هي شعاره الإنتخابي، وبعبارة أخرى، عين هاتفه الذكي، التي ترد مشهد السياسة عنه، وليس العين، أو الخرزة، الزرقاء، التي، وفعلياً، وداخل هذا المشهد، لا ترد شيئاً.

يميل الحسبان إياه إلى التخيل: العمة بهية تعلق العين الزرقاء على صدر إبن أخيها حين دخوله إلى المشهد العام 2005، "إذهب، أنت في حمايتها"، وبعد سنوات طويلة، أي أكثر من عقد، يدرك أن هذه العين لا تنجز معناها الإكزورسيسمي، لا تطرد أرواح المشهد عنه، فيستعمل عين أخرى، عدسة هاتفه، التي تسمح له أن يرى نفسه، ومع المحيطين به، الذي أحبوه ويحبهم، في كادرٍ يخفف وطأة المشهد عليه، ويصرفه، بالإضافة إليهم، منه. السيلفي هي العين التي تحرس الحريري، وهي التي تخاطب الأناس، وليس العين الزرقاء، التي تظل، ومهما جرى تسويغها، وأحياناً، بطريقة مضحكة للغاية، علامة على تراجع "المستقبل" عن الأساطير المؤسسة له ولبيروت بعد الحرب، من قبيل التحديث والحقيقة.

البارحة، أطلق الحريري تطبيق يدعى "stories with sh"، يسنح لمحمليه أن يتشاركوا صور السيلفي مع س.ح. وبهذا، يكون الحريري، وبمعية أخيه أيمن ربما (الإشاعة من جديد) الذي يمتلك تطبيق "فيرو"، قد أثبت أن تصويراته الذاتية هي التي المكان الوحيد الذي يتوقف فيه اضطراره وعبوره للحظات قبل عودته إلى زمن المشهد السياسي. هذا التطبيق هو مكتب الحريري الإنتخابي، أو ماكينته على وجه الدقة، التي تعمل على النحو الآتي: تسعف الحريري من مشهد السياسة، وفي الوقت نفسه، تجمع المحيطين به حوله، فللحظات، تصرفه وإياهم من المشهد، وللحظات تدخله وإياهم في فاصل عنه، ومن بعد هذه اللحظات، يتواصل ذلك المشهد.

من المتاح الآن الظن أن سيلفي الحريري الجيدة هي السيلفي التي يلتقطها مع الذين لا يقترعون في دوائر ترشحه وتياره....مع معن برغوث، صاحب أغنية "هلا بالخميس" مثلاً.    
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها