الأحد 2018/04/22

آخر تحديث: 16:26 (بيروت)

الإعلام الفلسطيني: الكثير من العاطفة.. القليل من المعلومات!

الأحد 2018/04/22
الإعلام الفلسطيني: الكثير من العاطفة.. القليل من المعلومات!
الضخ "العاطفي" يساهم في تعميق جهل العرب بالتطورات
increase حجم الخط decrease
"لماذا يبدو الإعلام الفلسطيني عاطفياً إلى درجة نسيانه سرد المعلومات والحقائق المهمة المُنصِفة للقضية؟َ!".. تساؤل ذو نكهة نقدية طرحه الإعلامي العراقي ملهم الملائكة الذي يعمل في مؤسسة دويتشه فيلي في بون في ألمانيا، على زميله الفلسطيني في ختام حلقة إذاعية مشتركة مع راديو "راية" في رام الله، ناقشت واقع المساعدات الدولية في الضفة وقطاع غزة.

وأكد الملائكة أنه عرف من الحلقة أشياء جديدة وتفاصيل لأول مرة يسمع عنها حيال الواقع المُعاش في الأراضي الفلسطينية، ما دفعه للقول إنه "تعلم منذ الصغر وفي مدارس العراق عن القضية الفلسطينية وعن الصهيونية. لكن هناك حقائق كثيرة في فلسطين يجهلها، ويتعرف على بعضها حديثاً".

والواقع، أن حديث الملائكة وتساؤله المذكور، يدفعنا- ونحن نستعد قريباً لإحياء الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني- للوقوف مليّاً عند طبيعة الخطاب الإعلامي الفلسطيني وماهيته، ومدى خدمته للقضية وإيصال صوتها للعالم أجمع كما يجب.

والحق هنا، يقضي بالتفريق بين الإعلاميين الفلسطينيين فُرادى، وإعلامهم كجسم واحد في هذا المنوال؛ فبينما تُلمس مواد ومعالجات إعلامية ذات مهنية عالية لقضيتهم، بحيث استندت على الحقائق والمعلومات المُنصفة للقضية وبلغات مختلفة، يظهر أن هذه الجهود اتسمت بالفردية وعدم الاستمرارية، ولم تكن مُنسّقة في سياق إعلام فلسطيني يتبع هذا النهج بشكل مدروس ومتراكم طيلة سنوات الإحتلال؛ الأمر الذي عكس بظلاله على حجم معرفة "الآخر" عن فلسطين سواء كان غربياً أو عربياً من ذوي القُربى حتى.

ويظهر جلياً حجم الفجوة المعلوماتية بين الإعلامي العربي وزميله الفلسطيني عندما يثُاقشان في حلقات مشتركة- مثلاً- أمراً متعلقاً بالقضية الفلسطينية والأحداث اليومية المتصلة بها، ما يطرح سؤالاً كبيراً حول سبب ذلك وهو: هل المشكلة تكمن في الإعلام الفلسطيني الذي اقتصرت رسالته على كثير من العاطفة والقليل من المعلومات، أم هو تقصيرٌ من العرب أنفسهم بأنهم باتوا غير مهتمين ومكترثين بالبحث، وكذلك الحال بالنسبة لإعلامهم الذي هو الآخر لا يبذل الجهد الكافي لمعرفة المزيد عن واقع حياة الفلسطينيين وما يجري على أرضهم.

الصحافي الفلسطيني ومراسل وكالة "الاسوشييتد برس" للأنباء في الضفة الغربية، محمد دراغمة قال لـ"المدن" إن نقل معظم وسائل الإعلام والصحف الفلسطينية للأحداث الميدانية المرتبطة بالإحتلال، تتسم بالعاطفة، فنجد في أي مقابلة أو قصة صحافية ضخاً للمشاعر وليس الحقائق".

واضاف دراغمة: "المشكلة تكمن في أن الإعلام الفلسيطيني لا يقدم القضية بتفاصيل كاملة، وإنما بشكل شكلي واستعراضي"، لكنه أكد أيضاً أن الصحافة العربية شبيهة بالفلسطينية، من حيث عدم القيام بالجهد اللازم لنقل الحقيقة، علاوة على أن هناك تقصيراً من العرب أنفسهم، بينهم صحافيون ومثقفون، فهم ليسوا قارئين ومتابعين وباحثين جيدين".

ويفسر دراغمة الحالة الإعلامية الفلسطينية الراهنة، في كثرة "التابوهات" التي تفرضها القضية نفسها، وما ارتبط بها من قيود الاحتلال وكذلك السلطة الفلسطينية.

ولهذا يرى دراغمة أن الإعلام الفلسطيني حتى في أموره الداخلية "تتواجد فيه الكثير من العلاقات العامة والقليل من المعلومات والجرأة، لدرجة أننا نجد المعلومات الحقيقية عما نعيشه في مكان آخر وليس في وسائلنا نحن".

وبما أن للصحافة دورين؛ أحدهما يتمثل في نقل معلومات وأخبار صحيحة عما يحدث، والثاني رقابي على المؤسسة السياسية، يبدو أن ثمة عقبات تحول دون قيام اعلام فلسطين وصحافتها بهذين الدورين بالشكل المطلوب. فهامش الحرية ليس كبيراً، وهذا الإعلام مخيّر إما "يمشي مع الشارع ومع عاطفته أو المسير وراء القائد السياسي صاحب الشعارات والتنظير الذي يخدمه".

وأمام ذلك، طغى النقل والسرد العاطفي على طريقة معالجات الإعلام الفلسطيني ونقله للأحداث ذات البُعد الداخلي أو ما يتصل بالقضية الفلسطينية العامة وتداخلاتها الإقليمية والدولية.

ناهيك عن افتراض هذا الإعلام أصلاً- كما رسخت هذه الفكرة الفصائل الفلسطينية نفسها طيلة الثورة قبل وبعد نشوء السلطة عام 1993- بأن الإعلام يجب أن يكون عاطفياً وشعاراتياً إلى حد بعيد للتعبير عن دوره الوطني، فلم يدركوا أن "المهنية تعني الوطنية" في نهاية المطاف.

كما أن ذكر الحقائق التي تجري على الأرض كفيلة وحدها لإعلام المشاهد العربي والغربي بما يجري في الأرض الفلسطينية وبشكل يُنصفنا ويُعري الإحتلال الإسرائيلي. فهذه الحقائق وحدها كافية لإنصاف الفلسطينيين ولا حاجة للعاطفة، رغم أهميتها في صياغة الرواية الفلسطينية بطريقة أو بأخرى خاصة عندما يتم الحديث مثلاً عن حكايات اللجوء وويلاتها؛ فإسرائيل نفسها تعتمد "العاطفة الكذابة" "ودموع التماسيح" لكسب تعاطف الرأي العام الدولي.

وفي السياق، بدت الرسالة الإعلامية للفلسطينيين وكأنها صيغت لمخاطبتهم أنفسهم فقط، فلم يدركوا على نحو واسع وجماعي، انهم يجب أن يخاطبوا المجتمع الدولي والعالم بمختلف الوانه ومرجعياته وثقافاته، ما يتطلب معلومات وحقائق أكثر، وبلغات متعددة؛ بغية قطع الطريق امام المحاولات الإسرائيلية لتضليل الحقائق وحرفها، حتى نجد عرباً حتى المثقفين منهم، وقد وقعوا في فخ تصديق الرواية الإسرائيلية، من دون عناء منهم لمعرفة ما يجري وطبيعة تعقيدات الحياة اليومية هنا.

ولعل الأنظمة العربية الشمولية والدكتاتورية نفسها ساهمت في تضليل معلومات مجتمعاتهم إزاء القضية الفلسطينية، فهي من خلال إعلامها "القومي" لجأت إلى أسلوب تعبوي لا توعوي حيال القضية الفلسطينية على مدار عقود. كما واستخدمت هذه القضية والتنظير لها كأداة لتثبيت سلطتها وتبرير قمعها بحق المواطن العربي، لدرجة أن الأخير كره القضية الفلسطينية انطلاقاً من كُرهه لأنظمته القمعية التي هي أساساً لم تذكر الحقائق والمعلومات عن هذه القضية، بل ضلّلته أكثر مما علمته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها