الإثنين 2018/04/16

آخر تحديث: 19:30 (بيروت)

أزمة السيسي اللغوية.. وأزمتنا البنيوية

الإثنين 2018/04/16
أزمة السيسي اللغوية.. وأزمتنا البنيوية
يجب أن نضع يدنا على المشكلة الأكبر وطبيعة الأزمة وفداحتها
increase حجم الخط decrease
ربما من اللازم أن يُسمع خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لمرات، حتى تُحسم المسألة تماماً، ونخلص إلى النتيجة التي لم يتسرع الساخرون في التوصل إليها، في قوله "إن مصر لن تقبل أن يتم ضرب الأراضي السعودية بصواريخ يمنية بلاستيكية". نعم قال بلاستيكية، ولم يقل بالسيتية، كما هو مقصود.

سنأخذ مسافة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه لا جديد فيها: رصف عدد من النكات، والكوميكسات جنباً إلى جنب، وحشر السيسي في عدد من اللقطات والمشاهد الكوميدية من أفلام مصرية قديمة. وهو ما أصبح يثير الرثاء أكثر من الضحك، لأنه لم يعد مضحكا ًلانعدام خياله وتكراره، ولأنه صار يحدث من باب التصيد، بغرض التكريس لفكرة هشاشة السيسي، التي ثبت عدم واقعيتها.

ما يعنينا هنا بالتحديد، حالة الجزع الغريبة التي عاشتها وسائل الإعلام منذ خطاب الأحد، في القمة العربية الكاريكاتيرية. جزع جعل من هذه الزلة، موضوعاً رئيسياً في الصحافة والشاشات المصرية، واستدعاء الخبراء العسكريين لأجل التأويل والتفسير والتبرير، فتحولت السخرية الافتراضية، بكل تفاهتها وتكرارها إلى موضوع جاد.

تكتب مثلا "اليوم السابع" خبراً نقلاً عن "سكاي نيوز"، التي استضافت محللاً عسكرياً، ليقول إن ما جاء على لسان السيسي كان صحيحاً، فقد نطقها انطلاقا من اللفظ الإنجليزى وهو "ballistic missile"، واضعاً بذلك الساخرين في موقف محرج لا يحسدون عليه.. إن مصطلح "بالستيكية" متداول، ويستخدم في الجيش المصري.. إن ضباط وأفراد الجيش المصري يستخدمون، للإشارة إلى هذا النوع من الصواريخ، مصطلح "بالستيكية" و"باليستية" على حد سواء على غرار "لوغستية ولوغستيكية" إذ إن هذه "المصطلحات أصلها غربي وتختلف طريقة نطقه من شخص لآخر".

وكم يسهل الرد على ذلك الادعاء اللغوي. فالاستخدام يكون إما بنقل الكلمة الإنجليزية كما هي على غرار مثاله "لوغيستك"، أو بتطويعها للقواعد العربية "لوغستية" لم يحدث أن دمج الاستخدامين معاً. وبعيدا عن السلامة اللغوية، ها هو غوغل يثبت أن لا أحد يستخدم لوغستكية على أي وجه من الوجوه.

بعض المتابعين ذهب أن ذلك الجزع ومحاولات التأويل الملتوية، جاءت من باب أن السيسي كان وزيرا للدفاع قبل أن يكون رئيساً للجمهورية، فكيف لا يعرف اللفظ الصحيح؟ هنا تخرج المسألة من كونها تعليقاً على زلة لسان إلى تحميل اللقطة أكثر مما تحتمل، وتصير السخرية أخف ردود الأفعال "مبالغة" على خطأ السيسي.

حتى لو قيل ان السيسي عاجز عن النطق، لا يراجع خطاباته كما ينبغي، ولديه أزمة لغوية كبيرة، ويعاني نقصا حادا في العلوم العسكرية.. هنا يجب أن نضع يدنا على المشكلة الأكبر وطبيعة الأزمة وفداحتها.

ثمة إصرار على الانشغال بالتفاهة في المسألة السياسية المصرية، بعدما تجردت وسائل التواصل من ورقة تأثيرها التي أدت إلى الثورة، بدا وكأن الجميع لم يغادر طريقة التفكير التي أدت إليها، لذا فالسخرية والإصرار على التعليق على كل خطأ وكل زلل وكل هفوة صار واجباً يومياً على المجال العام الإفتراضي البديل. ولا ضير في ذلك بالطبع، فالمشكلة في كونه هو الشيء الوحيد الذي يحدث ولا يحدث غيره. مع أن الفرصة الآن مواتية "للتفكير" و"التحليل" ومحاولة الوقوف على أسباب الهزيمة العنيفة التي مُنِي بها المجال العام المصري، فهناك مشكلة بنيوية عميقة في فهم العلاقة والموقع من الدولة المصرية، وتأسيس النظام الجديد على يد عبدالفتاح السيسي.

فلنتوقف لحظة لنعرف حقيقة موقعنا، الذي ليس "متعالياً" على مستوى فكري، كما يتوهم الساخرون. نحن في موقع المهزوم المحاصر، غير القادر على فعل أي شيء إلا والدولة تتربص به، ولعل مرحلة البكاء على الهزيمة قد طالت أكثر من اللازم ويجب أن تنتهي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها