الجمعة 2018/04/13

آخر تحديث: 19:15 (بيروت)

تحريم "بيع اللايكات": شجون مفتي الديار المصرية

الجمعة 2018/04/13
تحريم "بيع اللايكات": شجون مفتي الديار المصرية
الدكتور شوقي علام يُخرج نفسه من مأزق حرجٍ باعتباره صاحب منصب منسيّ في مجريات الحياة اليومية المصرية
increase حجم الخط decrease
يستطيع قارئ فتوى السيد مفتي جمهورية مصر العربية، الدكتور شوقي علام، أن يضحك. يستطيع أن يملأ رئتيه بالهواء كما يحب، ثم يخرج عدداً من التعليقات اللاذعة، التي قد يتصف بعضها بالذكاء.
ولمن لا يعرف فحوى الفتوى، فإنها تقول "إن ما يُسَمَّى بـ"بيع اللايكات" في مواقع التواصل الاجتماعي، هو معاملة مستحدثة.. إذا كان وضع اللايكات على الشيء المراد الإعلان عنه بشكلٍ وهميٍّ لا يُعبِّر عن زيارةٍ لمستخدمين حقيقيين ورؤيتهم للإعلان؛ فهو من صور التَّعامُل الـمُحَرَّمة شرعًا.. لكونها من الغش الذي شدد على تحريمه النبيُّ.. وهي أيضًا ممنوعةٌ من قِبَل مواقع التواصل حسبما جاء في نصوص سياسات استخدامها.. وإذا قُدِّرَ أن صاحب المنتَج -المعلِن– على علمٍ بذلك، أو كان هو الذي يستخدم البرامج التي تفعل ذلك في الترويج لسلعته: فإن هذا لا يغيِّر القولَ بالتحريم، بل التحريم حينئذٍ أشدُّ؛ لما يترتب على ذلك من إرادة الظهور للمستخدمين بحالٍ غير متحققةٍ فيه، فيكون كالْمُزَوِّر".

يستطيع أصحاب الفضول كذلك البحث عن نص الفتوى كاملاً، ليجدها قد صارت ملء السمع والبصر، وقد تحولت إلى خبر ثابت في كثير من الصحف والمواقع المصرية والعربية، ثم أيقظت همة بعض الصحافيين لإنجاز موضوعات "حول" الفتوى، على شاكلة "أغرب الفتاوى"، أو "خمس فتاوى قد تثير دهشتك". كل هذه التنويعات التي تثير شهية الترافيك. وأخيراً اصطادت الفتوى مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت منها فاكهة "التريند" طول أمس.

الغرابة، والمفارقة بصورة ما، أن الخبر المنتشر في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، لم ينل حظه في الانتشار عبر صفحة المفتي نفسها. ورغم أن الفتوى هي التدوينة الأخيرة على صفحته الرسمية، فلم تكمل العشرين "لايك"، في الصفحة التي تحوي أكثر من ربع مليون واضع لايك/طالب فتوى، وهو كما يشير إلى نفسه في صفحته grand mufti أي أنه ليس مفتياً عادياً. فهو كبيرهم. "غراند". على كلٍ هذه هي اللايكات الحلال التي ارتضاها المفتي لنفسه.

لو أن القائمين على الصفحة بذلوا بعض الجهد لاستأثروا بكل ذلك الخير الآتي من الفتوى وضجتها، لكنه "مفتي الجمهورية الغراند"، لن يتأثر بلايك. "اللايك" هو ما يتأثر به، وهو مانح رخصة اللايك الشرعية وهو مانعها.

لعل الدكتور شوقي علام يُخرج نفسه من مأزق حرجٍ باعتباره صاحب منصب منسيّ في مجريات الحياة اليومية المصرية.. فأولا: ما الذي يجعل منصب المفتي مختلفاً عن منصب شيخ الأزهر وكلاهما يفتي في الدين، بل إن شيخ الأزهر منصب ذا حيثية أكبر بكثير من المفتي ومكانته المعنوية أعلى قدراً؟ 

الإجابة تأتي قانونية بيروقراطية. بحسب القانون المصري، فإن "القائم بأمر الشؤون الإسلامية طبقًا للقانون وما جرى عليه العمل منذ مئات السنين هو شيخ الأزهر ويطلق عليه "الإمام الأكبر" والقيادات الدينية الكبرى تتمثل في: معالي وزير الأوقاف وهو مسؤول عن الدعوة الإسلامية وتبليغها بكل الطرق في الداخل والخارج، ورئيس جامعة الأزهر وهو مسؤول عن الجانب العلمي في مرحلته العليا، ومفتي الديار المصرية وهو مسؤول عن إصدار الفتوى للسائلين سواء من داخل القطر أو خارجه". 

وبعيداً عن التقسيمة الإدارية، كثيراً ما تضاربت فتاوى شيخ الأزهر والمفتي، إلى درجة الشقاق بينهما والأمثلة كثيرة، فما الداعي لكل هذه التفاصيل؟

ثانياً: بتجاوز المسألة الإدارية، ما الذي قدمه المفتي الدكتور شوقي علام في مجال الإفتاء أثر في حيوات الناس؟ سوف نتجاوز مسألة علمانية الدولة المفتقدة والمطلوبة من فئات صارت منبوذة بدرجة عنيفة. وإذا كنا أكثر براغماتية، فإن الدين متدخل بصورة عميقة في كل شيء ولا علاج لذلك. 

مشيخة الأزهر ودار الإفتاء لا غنى عنهما في حيوات الناس.. هل خلت مشاغل الناس وهمومهم إلا من الواقع الافتراضي؟ حتى يخصص لها السيد المفتي الغراند فتوى ينشرها للعامة، وهو الذي امتلأت صفحته بالتعازي والتهاني والشجب والحفاوة والزيارات والتشريفات. أين دوره المطلوب في تقديم الفتاوى المرتبطة بواقع الناس فعلا؟

أخيرا: لعل المفتي الغراند نظر في واقع الناس فلم يجد أي شيء يستحق الفتوى، ثم نظر في واقع الناس الافتراضي فوجد فيه حيوية وحياة بديلة، ثم وجد في ذلك حاجة إلى التدخل بفتوى شرعية رسمية تنظم مرور اللايك والشير.

وها هو المفتي الغراند يعود تحت دائرة الضوء، وقد لفت أنظار جيل جديد على الأرجح لم يعرف اسمه قبل هذه الفتوى، وعلى الأغلب سينساه بسرعة نسيان التريند في سبيل البحث عن غيره. وقد تعلو وجوهنا ابتسامة خبيثة أن مثل هذه الفتاوى بإمعانها في التافه تعَلمِن الحياة وتزيد الهوة بين الدين واليومي. ليكون بأيديهم لا أيدينا.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها