الخميس 2018/03/08

آخر تحديث: 19:39 (بيروت)

"ضدّي"لديانا مقلّد:معاناة النساء في المحاكم الشرعية..رفضها الإعلام!

الخميس 2018/03/08
increase حجم الخط decrease
نانسي، مارسيلا، سنا، هنادي، سعاد، وريتا. سبع سيدات لبنانيات من طوائف ومذاهب ومناطق مختلفة، قدّمت قصصهن الإعلامية ديانا مقلد في فيلم توثيقي حمل اسم "ّضدّي"، أعدته وأخرجته بهدف عرض قصصهن وشكواهن من الظلم والإجحاف الذي تعرضن إليه، من قبل أزواجهن ومحاكم القضاء الديني، التي لم تنصفهن في ما اعتبرن أنه يشكّل قضايا عادلة، حيث تمّ الاعتماد على ما ورد في الفيلم لتشكيل انطلاقة حملة، بالتعاون مع منظمة "كفى"، للمطالبة بإقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية في لبنان، يحلّ محل القوانين المذهبية المتعددة، المنوط إليها التعامل مع قضايا الزواج والطلاق وما يتفرّع عنهما والتي يحصرها القانون في إطار تنظيم القضاء الشرعي والمذهبي المخوّل للبت في القضايا من خلفيات دينية، كل حسب طائفته ومذهبه.

على مدى أشهر تابعت مقلّد وحضرت جلسات في عدد من محاكم الأحوال الشخصية، وكان ذلك يحصل بشكل سرّي في بعض الأحيان، التقت في أثنائها بفتيات وسيدات أخبرنها قصصهن المعلّقة برسم الطوائف، حسبما قالت في مقدمة فيلمها الذي استغرق إنجازه 4 سنوات من التحضير والإعداد والعمل، ليقرر عرضه مؤخراً، عشية "يوم المرأة العالمي"، في إطار فعالية نظمتها "كفى"، التي لجأت إليها مقلّد بعدما رفضت وسائل الإعلام اللبنانية تبنّي الفيلم وعرضه، نظراً لحساسية الموضوع وإشكالياته على أكثر من مستوى.



مقلّد صاحبة الخبرة المرموقة والباع الطويل في مجال الصحافة والإعلام والافلام الوثائقية، لم يحد فيلمها الأخير عن المستوى العالي والطابع الاحترافي الذي بات يعدّ سمة أساسية تغلب على مختلف أعمالها، فيما تُحسب لها قدرتها على تقديم القضايا الحقوقية بأسلوب مبسّط ضمن سياق سردي وتوثيقي مؤثّر يحمل رسائل ومعانٍ متعددة، وهو ما ظهر في فيلم "ضدّي" الذي أتى ليذّكرنا بمعاناة ويأس شريحة من النساء اللبنانيات، اللواتي تتكاتف ضدّهن مجموعة من الظروف، تلقي بهن في جحيم حقيقي. فأتت قصص السيدات السبع كنموذج معبّر عن مدى الظلم الذي لحق بهن، والذي تمثّل في معظم الحالات، بعدم إمكانية حصولهن على الطلاق، أو الحرمان من حق حضانة الأطفال، مروراً بالمعاناة التي أحاطت بزواجهن، إن كان لجهة التعنيف وتلقّي الإهانات، أو للتعرض للغش والخيانة وسوء معاملة الزوج وانعدام كفائته بتكفّل حضانة الأولاد، وكيف أن كلّ هذه الأسباب على علاتها، لم تجد فيها المحاكم مبرراً كافياً أو مشروعاً للحصول على الطلاق أو للحكم للأم بحق حضانة أطفالها وتربيتهم.

الفيلم تضمّن إضاءة على الخلل والثغرات في نصوص قوانين الأحوال الشخصية لدى مختلف الطوائف والمذاهب، كما ركّز على قضايا ذات إشكاليات مهمة مثل إطالة البت في الطلاق، والزاوج المبكر، وتعدد الزوجات، والزواج المختلط، وحق الحضانة. لكن، رغم اتساق السياق ضمن المسار السردي للتفاصيل والأحداث، كان المأخذ الأهم على ما تمّ تقديمه أن المقاربة أتت منقوصة كونها قدّمت رواية أحادية الجانب تتعلق بتقديم رأي ووجهة نظر المرأة حصراً، ما قد يلقي على المقاربة بمجملها ظلال الشك والتحيّز، وانتفاء شروط تقديم كافة الجوانب والأطر التي تؤدّي إلى اكتمال الصورة، والارتقاء بها إلى مصافي القضية المُحكمة، ما يجعل منها نموذجاً لا يصلح للاستناد عليه كرافعة أو جعله نواة صلبة يتكتّل حولها الرأي العام.

في ذلك كله ما يؤدّي بالضرورة إلى اعتبار أن الفيلم الذي ركّز بالأساس على تبنّي مظلومية المرأة، ويشجّع قرارها وخيارها بالمواجهة من خلال ظهورها الجريء بإطلاق صرختها وإسماع صوتها، سيُستغلّ من الأطراف المعارضة لفكرة تبنّي قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، من خلال وصفه بالتطرف وعدم الموضوعية، كونه تجاهل سرد الظروف الموضوعية الكاملة، وكونه لم يترك مجالاً للطرف الآخر لإبداء رأيه وسرد جانبه من القصة، والتي لا يمكن بأي حال تقييمها أو الحكم عليها بناءً لرأي ووجهة نظر واحدة، إذ إنّ مسار وطبيعة قضايا الزواج والطلاق وحيثياتها ونتائجها تحتوي على تفاصيل شائكة ومعقدة ينبغي أخذها في الحسبان، حيث تبدأ من ظروف العائلة والتركيبة الشخصية والنفسية لأفرادها وماهية الاعتبارات من حيث الأخلاق والكفاءة والمشاعر في لحظة الاختيار، ثم القبول ومراحل الخطوبة والاختبار والظروف المادية والثقافية في تراتبية ذات مسؤوليات متعددة التدرج، يأتي في آخر سلمها المحاكم والقضاء الديني، ما يجعل جوهر القضية يتمحور حول الذهنية المجتمعية والعائلية والفردية قبل اي اعتبار آخر. إذ إن الطلاق بذاته وما يتبعه، يحمل الأثر النفسي المدمّر ذاته، للأطراف كافة، ويترافق مع المعاناة والصعوبات، حيثما وجد البشر وتحت مندرجات أي قانون، سواء كان دينياً أو مدنياً. وهذا ما يستوجب الوعي لأهمية وخطورة مقاربة فكرة الزواج، والتركيز على التوعية قبل الإقدام على هذه الخطوة التي تكمن فكرتها بالدخول في شراكة مستدامة أصلاً، يحق لكل فرد وضع شروطه المكتوبة التي يعلم أنها تتناسب مع رحلته الطويلة برفقة شريك الحياة، مثل اشتراط المرأة طلب حق تطليق نفسها، أو عدم السماح لزوجها بالزواج من امرأة غيرها إلا بعلمها أو موافقتها.

ما تطرّق إليه الفيلم لجهة فساد بعض القضاة الشرعيين لناحية استنسابيتهم وتحيزهم للرجل أو لجهة عرقلة سير الدعوى بغرض الحصول على رشوة، لا يعدو كونه كلاماً في الهواء طالما أنه لم يدعّم بالأدلة التي كان يمكن الوصول إليها من خلال دمج العمل الاستقصائي بالعمل التوثيقي السردي، وهو ما كان سينتج بالضرورة هزّة يصل صداها إلى الجمهور والإعلام وذوي الشأن من المسوؤلين، ويضفي على الفيلم وقضيته موثوقية ومصداقية تقطع الطريق على المشككين وأصحاب المصلحة باستمرارية الوضع القائم.

تعترف مقلّد أن هذا الفيلم لا يغيّر شيئاً في الواقع، لكنها تعتبره دعوة للنقاش ومطالبة للحكومة والبرلمان للتحرك لمعالجة مشكلة تعقيدات قوانين الأحوال الشخصية، الأمر الذي يستوجب نضالاً وتحضيرات لمعارك طويلة النفس. وطالما أنّ النقاش قد بدأ فمن نافل القول أن خطط المعالجة يجب أن توضع وتبدأ من فصل الحالات والتعامل معها ضمن سياقها الطبيعي الذي يستوجب بداية معالجة منظومة التفكير التي تؤدّي إلى القرارات الخاطئة والنهوض بالثقافة المجتمعية والتصويب على مكامن الجهل وزيادة الوعي عند كل الأطراف، خصوصاً ما يتعلق بالعائلة والمحيط الذي تنشأ في كنفه الفتيات، إذ لا نفع من اجتراح حلول أو تطوير قوانين وسد ثغراتها في ظل قلة المعرفة وسواد الجهل، لأن أي محاولة مماثلة لفيلم "ضدّي" بكل ما حمله من قصص وتفاصيل مفجعة، سيحكم عليها بالفشل وستحارب بأكثر من وسيلة، وليس أدل على ذلك من خوف الإعلام ورفضه عرض الفيلم!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها