الخميس 2018/03/22

آخر تحديث: 16:19 (بيروت)

أسماء الأسد تجدل "ضفائر النار"

الخميس 2018/03/22
أسماء الأسد تجدل "ضفائر النار"
increase حجم الخط decrease
عندما أطلقت أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، لقب "أم الكل" على نفسها قبل عام كامل، لم يكن ذلك مجرد حذلقة لغوية أو إرضاء لغرور شخصي، بقدر ما كان بداية لدور جديد كرسته الأسد منذ ذلك الوقت لتكسر الذكورية والمركزية التي كانت مسلطة على شخص الرئيس كرمز وحيد أبدي للسلطة، وتجلى ذلك مجدداً في الفيلم الدعائي الجديد الذي قدمته "رئاسة الجمهورية السورية" بمناسبة عيد الأم، واستقبلت فيه الأسد عدداً من المجندات في جيش النظام المشاركات في معركة الغوطة الأخيرة.


الفيلم حمل عنوان "ضفائر النار"، وجمعت فيه الأسد كـ"أمّ للوطن" مجموعة من المجندات في جيش النظام مع أمهاتهن، بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للمجندين في الغوطة الشرقية، بوصفه "الأب القائد للدولة والمجتمع"، ويشكل هذا التوازي في حتميته الطارئة مرحلة متصاعدة في دور الأسد الذي تعزز طوال العام الماضي بحضور كثيف عبر السوشيال ميديا، بالتحديد في "إنستغرام"، كأم وزوجة وشخصية رمزية في السياسة المحلية.


ولا تشكل المجندات، اللواتي لعبن دوراً في قصف المدنيين خلال معركة الغوطة الشرقية الأخيرة، سوى رتوش و"كومبارس" لإكمال المشهد الدرامي الذي تلعب الأسد بطولته مع تركيز الكاميرا عليها فقط وإظهارها بكامل أناقتها وماكياجها بين النساء المحيطات بها وهن يهتفن باسمها ويحيينها من حين إلى آخر، بنفس الطريقة التي يظهر بها بشار الأسد في مقاطعه الخاصة بين المدنيين في الشارع على سبيل المثال.

ورغم ادعائها العكس، لا تبالي الأسد بصورة المرأة السورية أو تحقيق المساواة الجندرية في البلاد، ولا بالأمومة ومشاعر الحب والدفء الأسري التي تتشدق بها، بل إن تشويه صوره المعارضة وإظهار جيش النظام بصورة عصرية و"كول"، هو الهدف الوحيد من إطلالتها التمثيلية، حيث هاجمت الأسد المجندات الكرديات اللواتي جذبن اهتماماً عالمياً خلال مشاركتهن في الحرب ضد تنظيم "داعش"، معتبرة أنهن مجرد بروباغندا لأهداف انفصالية، بعكس المجندات في جيش النظام اللواتي يمثلن "البطولة والتضحية والشرف".

ولم تشر الأسد بشكل صريح إلى المعارضة الإسلامية، مفضلة أسلوب التورية بين "معاملة النظام للنساء" مقابل "المعارضة الظلامية"، لكن صفحات موالية للنظام عبر مواقع التواصل، بثت عشرات الصور التي تقارن بين مجندات الأسد ومجندات في كتائب إسلامية متشددة، من بينها "داعش"، وكان التركيز واضحاً هنا على بث هذه الجزئية باللغة الانجليزية، وهي استراتيجية اعتمدها النظام لتقديم نفسه بصورة علمانية متحضرة تحرس قيم الحضارة الغربية، بالحد الأدنى، مقابل المعارضة التي يعمم عليها صورة جهادية فقط.

والحال أن الأسد تنطلق هنا من محددات جندرية لإيصال رسائلها للجمهور المحلي، من البسطاء تحديداً، ففيما تدعي أنه لا يوجد فرق بين الرجال والنساء وأن "الموت على الجبهة" يشكل أقصى درجات المساواة الجندرية في سوريا، يميل خطابها لاستغلال النساء بشكل رخيص، لمهاجمة اللاجئين السوريين من الشباب "الذكور" الذين دفعتهم الحرب للخروج من البلاد، بالقول أنهم خونة وجبناء ولا ينتمون لسوريا التي اضطرت فيها النساء لحمل السلاح بدلاً منهم، من دون الالتفات للظروف الاعتقال والتجنيد الإجباري والقتل والتهجير التي دفعتهم للرحيل بحثاً عن قليل من الأمان.

هذا النوع من المقارنات يمتلك أثراً كبيراً على فئة واسعة من الجمهور المحلي البسيط، لكونه يستند على طبيعة المجتمع الذكوري المحافظ، التي تنمط النساء بوصفهن الطرف الأضعف الذي يحتاج حماية ووصاية ذكورية، وبالتالي تضع الأسد النظام السوري ببراعة في منزلة الضحية، من منطلق "هذا ما حل بسوريا بسبب المعارضين الذين التجؤوا إلى الخارج"، أما تعميم هذا الخطاب باللغة الإنجليزية فيهدف إلى خلق جو معاد للاجئين خارج سوريا، لكونه يرسم صورة سلبية كاذبة عن أسباب اللجوء أصلاً.

ويجب القول أن هذا الخطاب الممنهج لا يعمل على سد الفجوة الحالية في المجتمع السوري، بل يعززها. تعلق إحدى المواليات للنظام في "تويتر" على سبيل المثال: "جدايلها وهي على خطوط الجبهة ... أشرف من شواربك وأنت على حدود الدول"، وهو خطاب لم يتخلى عنه النظام منذ بداية الثورة السورية، حيث عمد على ربط المعارضة ككل بالمؤامرة الخارجية ووصف المعارضين بالعملاء، وصولاً إلى تصريحات رموز النظام العسكريين والدبلوماسيين المتكررة ضد اللاجئين وتهديدهم بالقتل والاعتقال لكونهم لا ينتمون إلى "سوريا الأسد".

والحال أن أسماء لم تكن بعيدة عن سياسات النظام السوري الإجرامية، بل لعبت منذ مطلع الألفية دوراً بارزاً في تلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي، كوجه "لطيف" يمثل القوة الناعمة للنظام من أجل إيصال أفكاره بشكل "خطاب ودي شخصي" أقل رسمية. وبات عيد الأم مناسبة سنوية تستغلها الأسد ضمن هذا الإطار مكرسة وجودها البارز في القصر الجمهوري، فضلاً عن مرافقة زوجها طوال الصيف الماضي في سلسلة من اللقاءات والرحلات للمدنيين ومجندي النظام والجرحى، والتي هدفت لتخفيف الاحتقان الشعبي في بيئة النظام من موضوع من النزيف البشري الحاد في جيش النظام وعدم وجود نظام عادل للتعويضات الاجتماعية أو وضع حد زمني للخدمة العسكرية الإلزامية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها