الأربعاء 2018/03/21

آخر تحديث: 19:17 (بيروت)

محو أرشيف "يناير": السلطة تغسل التاريخ

الأربعاء 2018/03/21
محو أرشيف "يناير": السلطة تغسل التاريخ
الصحف والمواقع الالكترونية المؤيدة للسلطة تمحو أرشيف الثورة.. لعرقلة تتدوين أحداث السنوات الثلاث الأولى
increase حجم الخط decrease
فوجئ الجميع، خلال اليومين الماضيين، بحذف أرشيف "أبلة فاهيتا" من "يوتيوب"، إثر ضغوط من "المجلس الأعلى للإعلام" لما يتضمنه من محتوى "بذيء". ولا ندري أين هو موقع المفاجأة في ما حدث، ذلك أن المجلس هو الجهة التي تتحرك وتوقف برامج لأسباب أتفه مما يتضمنه محتوى البرنامج.
ويبدو أن صمت المجلس، طوال الفترة الماضية، كان لأجل هذه اللحظة. فأعضاؤه يعرفون جيداً أن قوة "أبلة فاهيتا" وشعبيتها الكبرى تأتي من قنواتها الافتراضية، لا العرض التلفزيوني، ويبدو أنها لُقّنت درساً قاسياً بعد سحب "فودافون" أموالها من القنوات التلفزيونية والتركيز على الدعاية الإلكترونية في إعلان فاهيتا الأخير، ونجاحه الكاسح رغم الهجرة من الشاشة.

مشهد الحصار الإعلامي لا ينحصر في حذف كل ما يتعلق بـ"أبلة فاهيتا" من مواقع التواصل الاجتماعي، إذ فتحت الخطوة عيون المتابعين على ما يحدث في أرشيف عدد من البرامج التي تألقت وقت "ثورة يناير" وسنواتها الثلاث الأولى. أخصّ بالتحديد برامج يسري فودة وريم ماجد وليليان داوود. هذه البرامج كلها صارت في مهب الريح، وحُذفت أصولها الرسمية من قنوات برامجها وصفحاتها الفايسبوكية، كأنها لم تكن، ولم يبق منها إلا ما اجتهد الناس في إعادة رفعه أو مقاطع بعينها لهذه البرامج. هكذا، يبدو كل رمق متبقٍ ومؤيد للثورة في طريقه للنسيان، ضمن خطة ممنهجة من الدولة والقنوات المؤيدة لها.

مرة أخرى فوجئ الجميع بهذه الخطوة، مع أنها ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها مثل هذا الإجراء، بل إن الباحث عبده البرماوي أثار عدداً من الأسئلة، قبلف عامين، حول الأرشيف الإلكتروني للثورة في الصحف والمواقع الإخبارية المصرية. البرماوي كان يعمل ضمن مشروع بحثي لتوثيق الثورات العربية، وفيه أحداث اعتمد في توثيقها بالأساس بطريقة الإحالة المرجعية إلى أخبار مأخوذة من المواقع الإلكترونية للصحف. وكانت صدمته، في العام 2016، أن غالبية هذه الأخبار ما عادت موجودة. لوحظ هذا الأمر لدى صحف بعينها، فيما الحذف يتكثف على أحداث الثورة العام 2011، كما في التحقيق الذي نشر في "نون بوست" العام 2016 أيضاً.

تحرك الجميع وقتها، إثر تساؤلات البرماوي، وكيف أن هذه الخطوة سببها أمران: محو تاريخ الثورة لأجل زيادة المشقة في تدوين أحداثها، وثانياً "غسيل" سمعة الكثير من الكتّاب والإعلاميين الذين هللوا للثورة بعد نجاحها ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليها وأعلنوا عداوتهم لها بعد تغير البوصلة السياسية.

اليوم، وبعد عامين كاملين على صيحة برماوي وتساؤلاته، لم يشعر أحد بالمسؤولية تجاه أرشيف السنوات الثلاث الأولى، اللهم إلا جهود جهة مثل "858" لتوثيق كل ما هو موجود في مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات صوّرها أفراد ومشتركون في الثورة، ولعل ذلك الأرشيف أكثر أهمية. لكن ذلك لا ينفي أهمية الأرشيف الرسمي للجهات الإعلامية، ذلك إن ما يحدث هو عملية "تصفية" للتاريخ لأجل تغيير مساراته. 

ألا يحيل ذلك إلى تسمية تظاهرات 17 و18 يناير1977 في مصر، أيام الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، بـ"انتفاضة الحرامية"، إنها التسمية الرسمية التي كرست لها الدولة، وحاول جيل السبعينيات بكل قوتهم أن يقاوموا هذه الصورة.

لعل المثير للسخرية إن ذلك الإجراء في تحويل مسارات التاريخ، يأتي في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي عن أنه "إحنا ممكن نكتب تاريخ الفترة اللي فاتت عن طريق كتابة أولية للأحداث وبتجرد شديد ونجيب ناس متخصصة عشان متقولش توجهاتها". ويبدو أن التجرد المفهوم ههنا هو التجرد من الأحداث نفسها.. ومحوها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها