الجمعة 2018/03/16

آخر تحديث: 20:04 (بيروت)

سوريا إلى عام "الترانسفير" الثامن

الجمعة 2018/03/16
سوريا إلى عام "الترانسفير" الثامن
الخروج من المدن استحال صوراً تنخر وسائل الإعلام
increase حجم الخط decrease
...ولعام ثامن مقبل، يُستكمل "الترانسفير" السوري. لا وجهة محددة له، ولا ترتيبات. وحدها القذائف تحدد التوقيت. ووحدها آلة القتل، ترسم معالم الطريق للخروج. 
لا فرق في التسمية. خروج آمن أم نزوح. هو خروج بالاكراه. 

لا يعرف الطفل المحمول في شنطة سفر من الغوطة الشرقية إلى دمشق، أياً من تلك التسميات، وهي لا تعنيه. كل ما يعرفه أنه يستودع قلباً في منزل تركه. في غرفة هشمها الرصاص. في نافذة تسلل منها دخان القصف الى سريره، فاحتمى تحته، قبل أن ينتقل في رحلة "خروج آمن". 

كان السوريون يطمحون في ربيع 2011 أن يدخل من أَقصاه الحكمُ، بلاده مرة ثانية. سار السوريون لتحقيق الهدف. أخرجوا مَن عرقل دخول المبعدين، من البلدات والمدن. اشتغلوا بـ"الأمل". الأمل وحده ببناء سوريا تعددية، ودولة ديموقراطية، لا تُبعد ولا تُقصي. 

وبعد سبعة أعوام، وجدوا أنفسهم مبعدين، كل من بيته وحارته. بدأوا بخروج استحال صوراً تنخر وسائل الإعلام وتتصدر صفحاتها الأولى. والآن يستكملون رحلة الخروج. 

بعد سبعة أعوام، وجد السوريون أنفسهم مجبرين على رحلة معاكسة. لا المُبعد عاد، ولا المهاجر تجرّأ على العودة.. وعوضاً عن ذلك، رحل المقيم. غادر. نزح. تشتت. انها رحلة الترانسفير السوري. لا تهم تسميتها، ولا كيف يتناقل الاعلام العالمي توصيفاتها. انها تهجير.
خروج تحت ضغط الخوف والوعيد بالموت. "ترانسفير" الغوطة وعفرين، يستكمل ما حصل في حلب وداريا والغوطة الغربية والجنوبية وحمص وكفريا والفوعة والرقة.. يكمل سياق الإعدام بالإبعاد. الحكم بالموت المكتوم. حكم الموت بالحنين لبيت الياسمين. 

كانت أطراف القتال تتصارع على الثبات. اليوم تتصارع على الإبعاد، وتحاول تجميل صورته. وبينما يعمل النظام على تقديم "صورة إنسانية" لجنوده، ما زالت المعارضة أسيرة الصورة الأولى. صورة القتال، وكادر الجثث الذي يوحي بانتصارات وقتية. وهي الصورة التي علق فيها المقاتلون الأكراد أيضاً، ويبثونها للعالم. 

تتصارع الصور الحربية بعضها مع بعض. كما تتصارع صور الخروج. لم يعد الصراع على حق في السكن والأمان. بات الصراع على الخروج. الخروج الآمن، يقابل التهجير. تقاتل الأطراف على منح النزوح صفة انسانية. تركيا والنظام يتفقان على منح ممرات الرحيل صفة "الممر الآمن". وتحتدم الصور مرة أخرى: عسكري يساهم في ملاطفة طفل، بينما طفل آخر يُحمَل في حقيبة سفر. انه الصراع على الشكل، وليس على المبدأ الذي بات واقعاً في العام السابع، بتوافق دولي، ويُستكمل في عامه الثامن، كل من موقعه ومكانه. 

آلاف الصور الشبيهة خرجت من سوريا مع أهلها. لم تحرك العالم، ولن تحركه. فهؤلاء مجرد أرقام. وخروجهم، يتخطى كونه انجازاً لـ"المنتصر" في الحرب. أيضاً لا يهم من المنتصر وكيف؟ المهم أن هناك انتصاراً يُبنى على ركام، ولو أنه يسكن دموع العجز، ونظرات الأطفال الذاهلين. 

سوريا إلى عام ثامن من الثورة، وهي رحلة تهجير مستمر. ترانسفير الوجع.. وبعض من آمال مرسومة على الجدران المدمرة، تركها العائدون في يوم ما الى المنزل الأول. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها