السبت 2018/03/17

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

"المستقبل" يطرد الأرواح الشريرة

السبت 2018/03/17
"المستقبل" يطرد الأرواح الشريرة
في الانتخابات.. سيقدّم المؤمنون ذبيحةً للرب الذي يدّعي النظام الديموقراطي
increase حجم الخط decrease
بدايةً، لا يمكن الوقوف على اعتماد "تيار المستقبل" لشعار "الخرزة الزرقاء" في حملته الانتخابية، من غير ربطه بحال هذا الفريق السياسي، بحيث أنه، وبفعل الأعطاب التي أصابته خلال الفترة السابقة، ما عاد قواماً على شأن محدد، كبث الحيوية الإقتصادية في البلاد. بحيث أنه، وبالإستناد إليه، يتمايز في برنامجه عن غيره من أجل ضمان مناصرته. 


لقد تراجع التيار عن هذا الشأن، وبالتالي، كان لا بد له من الإتكاء على غيره، ولهذا، استعاض عنه بشأن ثان، لا ينم سوى عن تقوض النظام الديموقراطي المحلي، وعن انعدام أي مقبل له: الحماية.

فعلياً، تيار المستقبل، وارتكازه على الخرزة الزرقاء، يتقاطع مع أفرقاء آخرين، وفي مقدمتهم "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وذلك لأنه، وعلى شاكلتهم، يلوح بالحماية.

فحزب الله يرفع شعار "نحمي ونبني"، والتيار البرتقالي لا يتوقف عن دعايته ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين بوصفهم التهديد الأساس للمجتمع، الذي يريد حراسته منهم. وفي السياق نفسه، يعلق "المستقبل" خرزته الزرقاء، قائلاً: "هذا نحن". كل هؤلاء يبغون حماية لبنان، الأول بالحرب، والثاني بالكراهية، والثالث بالشعوذة.

لكن هذه الحماية، في الواقع، لا تبغي سوى أمر واحد، وهو الإعلان للمواطنين بأنهم يعيشون في النعيم، وأن أوضاعهم داخله هي، وبمجملها، موضوع حسد. وأنهم، ولكي يحافظوا عليه وعليها، لا بد من التوجه إلى صناديق الإقتراع من أجل التصويت، الذي يساوي هنا إبعاد الشر وكل الشرور عنهم. فبهذه الطريقة، فإن شهر أيار المقبل هو موعد لممارسة الإكزورسيسم: تحضروا لطرد الأرواح إذاً!

إلا أن تحول الإستحقاق الإنتخابي إلى مناسبة إكزورسيسمية لا يحمل على السخرية فحسب، بل يحمل على الإنتباه إلى أن النظام الديموقراطي في لبنان قد أقفل، وما عاد له مقبل. فهو يتأرجح بين استعادة ماضيه في المشهد الثقافي، وتطهير حاضره في المشهد السياسي. والفعلان يقصدان الغاية نفسها، أي إعادة التدوير.

كما أن ذلك التحول يبين تلك المقاربة المعلومة بين طقس الإنتخاب والطقس الأضحوي، بحيث أنه، في الأول، كما في الثاني، يقدم مؤمنون ذبيحة للرب الذي يدّعي النظام الديموقراطي، من أجل أن يضبط العنف بينهم عبر تمثيلهم بالتساوي أمامه. غير أنه، ولما يستبدل تمثيل حضورهم فيه بحمايته لهم، فهو يصون العنف الكامن بينهم، مصوراً إياه كأنه السلام المرغوب، مثلما أنه، وفي الحين نفسه، يوجهه صوب طرف ثالث، هو، بحسب قاموس الخرزة الزرقاء، كل الحسودين.

على هذا النحو، النظام الديموقراطي، الذي يستقبل الذبيحة، لا يضبط العنف السابق على تقديمها، بل يمهد لعنف مضاعف لاحق عليها: الحفاظ على العنف الكامن بالإضافة إلى تغذية العنف الموجه ضد مطلقي الشرور. وهؤلاء، وإن لم يكونوا موجودين، لا مناص من إيجادهم، وإن لم ينجح إيجادهم، يصيرهم الكل. بالتالي، يغدو النظام الديموقراطي حامياً للمؤمنين به من بعضهم البعض، وبالتالي، يعزز الريبة بينهم، إلى أن يطالبوه بخفارتهم أكثر فأكثر، وبهذه الطريقة بالتحديد، يولد الإستبداد. فالعين التي تحمي من الحاسدين سرعان ما تراقب المحسودين.

لا يعلق "المستقبل" خرزته الزرقاء سوى على النظام الديموقراطي. وبذلك، يوضح أن الأخير أصبح مجرد باب مغلق، أو بالأحرى بات حائطاً مسدوداً. ولأنه لا يؤدي إلى مكان، من اللازم المكابرة على واقعه هذا من خلال إنتاج دور له، أي جعله حائطاً يحمي من القاطنين في جهته المقابلة، والذين قد يتسللون صوب المطمئنين إليه، والهانئين به، أي إلى الجالسين في ظله، والداعين إلى أن يسترهم.

المطلوب منهم راهناً، وبحسب شعارات الحماية الرائجة، أن يمضوا إلى صناديق الإقتراع على قاعدة "الحيط، الحيط، ويا ربي السترة". فبهذا، سيتمنون ارتفاع الحائط، كما أنهم، وعلى إثره، سيردون عيون الحاسدين عنهم، وفي سبيلهم إلى كل ذلك، سيظنون أنهم محسودون على نعمة اعتقالهم خلفه، وعلى نعمة الكهنة الساهرين على هذا الإعتقال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها