الأربعاء 2018/03/14

آخر تحديث: 13:32 (بيروت)

إقالة تيليرسون تغلق باب التسريبات للصحافيين

الأربعاء 2018/03/14
إقالة تيليرسون تغلق باب التسريبات للصحافيين
increase حجم الخط decrease
تحيل متابعة التفاعل العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإقالة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون من منصبه، إلى شعور عام بأن كل قرار يحدث في البيت الأبيض، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى منصبه قبل أكثر 13 شهراً، يرتبط حصراً بتلبية "أمنيات" الفئات المتصارعة من الجماهير العربية، التي تدعي كل منها صداقة ترامب والتحالف معه، دوناً عن الآخرين، مهما كانت الاختلافات فيما بينها شاسعة، ورغم أن المنطقة ككل تبقى هامشية بالنسبة للإدارة الأميركية المنشغلة بدراماها المحلية الخاصة.


واذا كان المغردون العرب يبنون على اوهام الصراعات، وأمنيات الحروب التي من المرجح ان تطال ايران أو سوريا، فإن أهمية الحدث تقع في مكان آخر. فقد يصبح الأثر الوحيد للتغيير إعلامياً بحتاً، حيث كانت الصراع بين ترامب وتيليرسون نافذة للميديا الأميركية من أجل الحصول على تسريبات قيمة عن الإدارة الأميركية، وهو ما سينتهي على الأغلب في عهد بومبيو، كما أن الخلاف نفسه شكل مادة إضافية للإعلام كواجهة للفوضى الداخلية في إدارة ترامب والتي كانت تنعكس بدورها على الأداء الدبلوماسي الأميركي مع الحلفاء والخصوم بشكل رسائل إعلامية وتصريحات علنية متضاربة. ولا يعني ذلك أن هذه الخاصية ستختفي لأن ترامب أثبت بخلافاته السابقة مع مقربين له، مثل كبير الاستراتيجيين السابق ستيفن بانون، أن عداءاته لحظية ولا يمكن التنبؤ بها وتشمل الجميع من حوله بلا أي استثناء.

وفيما يهزأ موالو النظام السوري على سبيل المثال من "طيران" تيليرسون وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بنفس المقاربة القاصرة التي اعتمدوها عند انتهاء فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، راسمين فيها "نصراً" دولياً للنظام على خصومه، يميل المعلقون من طرفي الأزمة الخليجية المستمرة منذ حزيران/يونيو الماضي للقول أن التغييرات الجديدة في البيت الأبيض استجابة مباشرة لما يحدث في شبه الجزيرة العربية، وهي نفس المقاربة التي يتجادل حولها مؤيدو طهران ومعارضوها في المنطقة، بشأن الاتفاق النووي الإيراني.

الانتصارات الصغيرة الوهمية في مواقع التواصل تبقى بعيدة عن أي طروحات سياسية وتبدو منفصلة عن السياق وأقرب لـ "نهج الأمنيات" الذي ميز ولاية تيليرسون القصيرة في منصبه، خصوصاً عندما يميل الحديث للمبالغة عن تغييرات جوهرية قادمة في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، كتغييرات قادمة في الملف السوري أو الخليجي أو انسحاب لا شك فيه من الاتفاق النووي بحلول أيار/مايو القادم، إضافة لضخ مصطلحات درامية مثل "عسكرة وزارة الخارجية"، والترويج للحرب القادمة بدليل وجود شخصية من الصقور الجمهوريين على قمة الدبلوماسية الأميركية مثل مايك بومبيو الذي ينتظر تأكيد تعيينه في المنصب المرهق من طرف الكونغرس.

وتغيب عن المشهد التفاعلي هنا أفكار، أقرب لنظريات المؤامرة، والتي قد لا تكون كافية لكتابة مقالات كاملة في الصحف الكبرى، لعدم وجود أدلة فعلية عنها، مثل دور شركات النفط المقربة من ترامب في إقالة تيليرسون، بوصفه المدير التنفيذي السابق لشركة "إكسون موبيل" صاحبة الاستثمارات السابقة المثيرة للجدل في إيران بين العامين 2003 و2005، والصراع بين شركات النفط العالمية المتداخلة على سوق النفط الإيراني بعد الاتفاق النووي، بما في ذلك شركات النفط الأوروبية، مثل "توتال" التي دخلت فعلاً السوق الإيرانية باتفاقية ضخمة العام الماضي، خصوصاً أن مساعدي تيليرسون عملوا طوال الفترة الماضية على الإبقاء على الاتفاق النووي بجهد عبر التوصل لحل وسطي مع الحلفاء الأوروبيين.

والحال أن التغيير الدراماتيكي بتغريدة الطرد في "تويتر"، ومدى التسريبات الطويل حول ترجيح الطرد، منذ حزيران/يونيو الماضي، في الصحافة الأميركية، يجعل من الحدث نفسه أكثر شخصانية، فالخلافات الطويلة بين ترامب وتيليرسون ضاعفت رغبة الرئيس في التخلص منه لراحته الخاصة، وليس لأسباب مهنية بحتة، وكانت قمة تلك الخلافات عندما وصف تيليرسون الرئيس في اجتماع داخلي بـ "الأحمق"، وصولاً لتصريحاتهما العلنية المتناقضة بشأن ملفات السياسة الخارجية، حيث لعب تيليرسون صوت الحذر والتعقل مقابل غرائز ترامب الأكثر حدة.

وربما يكون تعبير "إقصاء" تيليرسون بدلاً من إطاحته أو إقالته، أكثر جدوى، حيث يدير ترامب البيت الأبيض وكأنه برنامج من تلفزيون الواقع، عطفاً على انعدام خبرته في مجالات الحكم والسياسة والدبلوماسية. وفي ظل هذا المشهد المعقد ربما لا يكون تغيير الأسماء نفسها جوهرياً في مسألة تغيير السياسات الحالية وآلية صناعتها، فوجود بومبيو لن يؤدي إلى استعادة وزارة الخارجية لدورها المفقود محلياً ودولياً، لأن ترامب نفسه هو من يصنع السياسات ويعتبر نفسه "القائد" الأوحد، وهي زاوية مثيرة للاهتمام في شخصيته المعجبة بشخصيات توليتارية وسلطوية مثل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، والتي تجلت مؤخراً في أمله بأن تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة تمتلك فيها رئيساً يحكمها مدى الحياة!

ومع رحيل تيليرسون، صاحب أسوأ سجل دبلوماسي في تاريخ وزارة الخارجية، لن يصلح حال وزارة الخارجية، بل سيعاني خليفته بومبيو من نفس المشاكل التي كبلت يدي تيليرسون، والتي تعود أصلاً إلى قرارات من طرف الرئيس ترامب، مثل التخفيضات الحادة في ميزانية الوزارة وصولاً إلى رفض العديد من الشخصيات الأبرز في الدبلوماسية الأميركية العمل في إدارة ترامب الفوضوية، لاعتبارات أخلاقية ومهنية وشخصية، ما يعني أن مشكلة المناصب الفارغة سبتقى قائمة على الأرجح لفترة قادمة.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها