الجمعة 2018/02/09

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

"أخ كبير": الطبقة الوسطى ضد نفسها

الجمعة 2018/02/09
"أخ كبير": الطبقة الوسطى ضد نفسها
لا يخفى البرنامج احتقاراً مبالغاً فيه، تجاه المصريين عموماً، و"المواطن الأسمر" خصوصاً.
increase حجم الخط decrease
قرر أخ كبير  أن يتفرغ لحل مشاكل مصر، ذلك "البلد السوريالي التجريبي" كما يصفه. لكن بطل الحلقات الساخرة، التي يقدمها موقع "مدى مصر"، لا يعكف على تلك المهمة من باب الاهتمام. فهو لا يخفى احتقاراً مبالغا فيه، تجاه المصريين عموماً و"المواطن الأسمر" المستسلم والمغلوب على أمره خصوصاً. ولا يتورع عن إهانة مشاهديه كلما كانت الفرصة متاحة، هذا بعد أن يفتتح، كالعادة، كل حلقة بسبّهم: "أزيكم يا...أمكم".


لا يتناول "أخ كبير" الأحداث الجارية، مثل "البرنامج"(باسم يوسف)، سوى في حالات استثنائية، ويعتمد على كوميديا بنية الشخصية وتفاصيلها، في سبيل السخرية من تناقضات الشأن العام. وفي هذا يبدو أقرب إلى "أبلة فاهيتا"، والتي يشترك معها في المبالغة في استخدام مرادفات لغة بعينها، هي لغة شريحتين محددتين من الطبقة الوسطى في الحالتين، لكن مع اختلافات جوهرية. فاللغة الثرية وشديدة البهرجة، لربات البيوت، من الطبقة الوسطى، والتي تستخدمها "أبلة فاهيتا"، في مزج لمرادفات شعبية ومخيال استهلاكي، تظل مضحكة بسبب تناقضها الطبقي هذا، وكذا لأنها على وشك الانقراض. لكن لغة "أخ كبير"، لا تستدعى أي حنين على الإطلاق، وإن كانت قدرتها على الإضحاك تكمن في التوتر الذي تحمله بفضل تناقضاتها. 

فالجلابية، والشارب، والخاتم الكبير في الخنصر، مع لكنة الحديث الشعبية المبالغ فيها، لا ينبغي أن تضللنا عن انتماء "أخ كبير" الاجتماعي. فمن الإشارات المتناثرة، يمكن تبين أنه ينتمي الى الطبقة الوسطي العليا، التي تسكن أحياء مسورة ومعزولة، وتتمتع بخدمات مستشفيات الشرطة والجيش. لكن، مع هذا، يظل تعيين الشخصية طبقياً، مقلقاً وغير مستقر. وفي الوقت نفسه، فإن سوقية لغة الأخ الكبير، تترافق مع اعتمادها مرادفات في غاية الحذق: الوعي الجمعي، النوستالجيا، المكونات الخطابية، والبارادوكس، الميديوكور والبيغ داتا، والتشظي، وغيرها من الاشتقاقات العربية الفصيحة مثل، الأقلوية والذنبية. ورغم التناقض الفج في مرجعيات اللغة، مع الشخصية نفسها، والتي هي مصدر الكوميديا بالطبع، إلا أنه يبدو طبيعياً جداً، وسلساً بشكل كبير. 

فأخ كبير، الذي يبدو على دراية كافية بالقيم التحريرية، والمساواتية، وعلى قدر لا بأس به من القدرة على التعبير عنها وتفصيل نظرياتها، يظل معادياً لها إلى أقصى حد. ومع الثقة المفرطة في النفس، والبادية، فإن أخ كبير يعرف أنه "كلامه غير ملزم"، فهو على هامش السلطة في النهاية، ولا يملك منها سوى اقتراح "حلول نهائية" لكل المشاكل. والحلول، مع فاشيتها، لا تبعد كثيراً من خيالات الطبقة الوسطى وما فوقها في طرق التعامل مع الطبقات الأدنى. 


ففي "حلقة القضاء على الفقر"، مثلاً، والتي يستهلها بأنه لا يمكن القضاء على الفقر من دون القضاء على الفقراء، يقدم أخ كبير مشروع إبادة متكامل، ذا مراحل ثلاثة، سيكولوجية تتمحور حول شيطنة الفقراء خطابياً، ومادية بعزلهم في أحيائهم وفرض أنظمة مراقبة وتحكم من بعد، وأخيراً تحويلهم إلى "صابون سايل"، والمرحلة النهائية هي الوقاية، بالتعقيم الاحترازي. وفيما يلتقط ذلك السيناريو، صوراً "متراكبة" من عادة التضحية بعروس النيل في مصر الفرعونية، إلى آليات بقرطة الهولوكوست النازية، وصولاً إلى نظام الفصل العنصري، فالمضحك والصادم إلى حد الفزع، هو أن كل ما يحمله مشروع "زهرة اللوتس الذابلة" هذا، لا يبتعد في كابوسيته كثيراً عما قد تسمعه بكل أريحية، في زيارة عائلية، أو حديث حول مائدة العشاء في أحد بيوت الطبقة الوسطى. 

ولا يكتفى أخ كبير بالفضح، بل يذهب أحياناً إلى التحليل. ففي حلقة "تقليل الأقليات"، يقترح دمج الأقليات في فئة واحدة هي "الأقلوية"، ملقياً الضوء على الطريقة التي تعمل بها آليات التمييز ضد الأقلية في خدمة السلطة وهيمنتها على الغالبية، وكذلك على الوسائل التي تمسخ بها تلك السلطة الأقليات عبر تحويلهم هم أنفسهم إلى محض ضحايا.  

المثير للإعجاب، هو مدى تعقيد وعمق الظواهر والأفكار التي تُطرح في حلقات البرنامج، بل إلى الحد الذي تصل إليه في التجريد أحياناً. فإحدى الحلقات مثلاً تبدأ بطرح فكرة الطبيعة العلائقية للصواب والخطأ. لكن الأكثر إدهاشاً هو قدرة "أخ كبير" على إضحاكنا وسط كل هذا، ومن دون أن يخلف أدنى شعور بالادعاء أو الأفراط في التثاقف.   

ومع ذلك، ليس الضحك في إمكان الجميع. فكما أن البرنامج موجه لنقد الميل السلطوي والانتهازي لدى الطبقة الوسطى، فإن مفردات نكاته وإحالاتها، يتطلب فهمها وعياً ومعرفة بعينها، لا تبدو متوافرة سوى لفئة محددة من الجمهور. ويظل "المواطن الأسمر"، مع كونه محور الكثير من النكات، غيرَ مخاطَب هنا. فهو مجرد أداة للضحك، أو مرآة ترى الطبقة الوسطى نفسها فيها. السلطة السياسية أيضاً ليست الموضوع الرئيس للفضح أو النقد. فأخ كبير يبدو تجسيداً لهجوم الطبقة الوسطى على نفسها، أو بالأحرى هي فئة منها ضد بقيّتها، وضد تشوهاتها بالأخص، و"أخ كبير" أوضح صورة لها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها