الجمعة 2018/02/23

آخر تحديث: 20:09 (بيروت)

إسرائيل "تاجر نصّاب" لا يسعى إلى حرب مع لبنان

الجمعة 2018/02/23
إسرائيل "تاجر نصّاب" لا يسعى إلى حرب مع لبنان
increase حجم الخط decrease
بالنظر إلى سلوك إسرائيل وتاريخ عقليتها بالإستحواذ على المزيد من موارد ما بعد الحدود، يُلاحظ أن خطابها المعلن يتمايز كلياً عن ذلك المستتر في ما يخص غضبها المُبالغ به قصداً، من اعلان لبنان قبل عشرة أيام عن تلزيم تكتل شركات للتنقيب عن غاز ونفط في مناطقها البحرية التي تشمل أيضاً مثلث المساحة المائية التي تخوض بيروت نزاعاً حولها مع إسرائيل لم يُحل حتى الآن، ويمثل البلوك 9 أحد المناطق الواقعة في سياقها.
والواقع، لم يكن الإعلام الإسرائيلي مُبادراً في تناول هذه المسألة منذ اللحظة الأولى لإثارتها، بل اكتفى بنقل التطورات الحاصلة فيها للرأي العام الإسرائيلي بعيداً عن البُعد السياسي، لدرجة أننا شهدنا نقلاً للحدث أكثر من تحليله المُوسّع، الأمر الذي أدى إلى ندرة في المواد التحليلة والتي إن وُجدت فإنها تساوقت مع مبالغة المسؤولين الإسرائيليين، بالترافق مع كثافة فيما تُعرف في مهنة الصحافة بـ"أخبار التصريحات" المجرّدة المفتقرة للعمق المطلوب. 

فبعدما كانت اللهجة الإسرائيلية تصعيدية وتحذيرية وغاضبة، ما أوحى في بادئ أن الأمر يتجه لتوتر ميداني وسياسي بوابته هذه المرة الصراع على نفوذ الغاز والنفط في شرق المتوسط ، تحوّل الإعلام العبري لاحقاً ليسلط الضوء على الموقف الاسرائيلي الذي يتجه نحو طلب التفاهم مع لبنان عن طريق طرف ثالث، والمتمثل بأميركا حتى اللحظة.

لكن هذا لا يعني تحوّلاً في لهجة إسرائيل وخطابها، بل يندرج في سياق المُناورة واتباعها منطقاً مليئاً بمطامع السيطرة والتوسع لأكبر قدر ممكن؛ ومفاده "اطلب الكثير من حصة الغير لتحصل ولو على الممكن منها"، بالترافق مع اتباع وجهة نظر قائمة على "التذاكي الخبيث".

ويُجمع مختصون بالشأن الإسرائيلي لـ"المدن" على أن تل ابيب تتشاطر وتتعامل مع هذه المسألة كالتاجر النصّاب، فتقول في قرارة نفسها أنه لا حاجة للحرب بسبب هذا الخلاف، لأنها لن تخسر شيئاً بل ستربح من استثمارها هذا الخلاف الذي من شأنه أن يضمن تكبيل أيدي الدولة اللبنانية عبر الوسطاء من ناحية، وما تزعم إنها خلافات داخلية في لبنان حيال ذلك.

ومما يُستدل من التصريحات والأقلام والتحليلات في صحف إسرائيل فإن الأخيرة تلعب بالتحكيم الدولي هذه المرة رغم رفضها له في السنوات السابقة واصرارها على الوساطة الأميركية.

ففيما دخلت الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها ريكس تيلرسون على خط الوساطة مُتوجة بمجيئه المنطقة قبل ايام وجلوسه مع المسؤولين اللبنانيين، ترفض بيروت المقترح الأميركي المبني على تفاهمات سابقة (ثلثا منطقة النزاع للبنان وثلث لإسرائيل) مع بعض الإضافات المتمثلة بأن لا يقوم اي منهما باي عمليات تنقيب في منطقة النزاع البحرية المذكورة؛ ما دفع تل ابيب الى القول للبنان عبر الوسطاء إنه لا مانع لديها أن تتدخل الأمم المتحدة أو أي طرفي دولي آخر.

ويبدأ الباحث في معهد "دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" عوديد عيران مقاله التحليلي بعنوان "ناري" للوهلة الأولى وهو "هل سيشعل الغاز الطبيعي في البحر المتوسط حرب لبنان الثالثة؟"، ليعود للإستنتاج الهادئ رغم استعراضه التاريخي للأزمة والذي لا يستبعد شبح الحرب بسبب ذلك، فيعتبر ما وصفها "التصريحات المتبادلة والتصعيد الكلامي العنيف من جانب الحكومة اللبنانية، وتجاهلها محاولات إسرائيل حل الخلاف في موضوع الحدود البحرية"، مبرراً لتدخل خارجي لمنع استمرار التدهور. 

ويضيف عيران أنه بإمكان الإدارة الأميركية تقليص خطر اندلاع المواجهة إذا أعادت لبنان إلى مسار التحاور مع إسرائيل، وإن لم يكن بصورة مباشرة، ومن خلال حل وسط عادل يخدم لبنان.

ولعل الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "مكان" حاولت في عنوان بارز لإحدى تغطياتها الخبرية وهو "تسليح حزب الله من قبل إيران بصواريخ دقيقة قادرة على إصابة حقول الغاز"، إشارة ضمنية لإمكانية انتقال الصراع لبُعد جديد في المنطقة والذي أساسه اقتتال على الثروات ليتعدى أن يكون أيدولوجياً فقط، وهو ما سيتعزز في السنوات القادمة وفقاً لمحللين استراتيجيين الذين يُدرجون ما يجري في سوريا والمنطقة عموماً في هذا السياق.
 وجاء رقص وتطبيل وتزمير اسرائيل اعلاميا منذ ليل الإثنين، لما اسمته صحفها مواقعها الإخبارية المختلفة بصفقة تاريخية وعملاقة لبيع الغاز إلى مصر، على مدى عشرة سنوات بمبلغ خمسة عشر مليار دولار، كي يبعث برسالة مباشرة وغير مباشرة للبنان في آن.

ولا ننسى أيضاً الجانب الآخر من التوظيف الإعلامي الإسرائيلي لصفقة الغاز مع مصر ومن قبلها مع الأردن إضافة لدول أخرى، فهي ترى في هذه الصفقات مدخلاً لإبتزاز الدول العربية وتحييدها أو استمالتها لموقفها إزاء العديد من القضايا، فالغاز والنفط بنظر إسرائيل بمثابة  إنجاز سياسي كبير بالتوازي مع أهميته إقتصادياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها