الأحد 2018/02/11

آخر تحديث: 14:19 (بيروت)

إسقاط الطائرة الإسرائيلية.. "الانتصار" لمن؟

الأحد 2018/02/11
إسقاط الطائرة الإسرائيلية.. "الانتصار" لمن؟
طغت هتافات النصر وزهوة الفرح على المشهد العام (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

تحت شعار "زمن الانتصارات" تداعت تغطية وسائل إعلام محور الممانعة  للتعامل مع حدث إسقاط الطائرة الاسرائيلية "إف 16"، حيث بدا جلياً السعي لتكريس أن محصلة التطورات العسكرية الأخيرة ستقلب المعادلات، وأن جولات المواجهة المقبلة مع العدو الاسرائيلي سيكون نتاجها عكس ما يشتهيه، الأمر الذي دفع بمعنويات جمهور المقاومة إلى أعلى مستوياتها، وهو ما عكسه مدى الاستهزاء والسخرية في مواقع التواصل من انكشاف القدرة الجوية الإسرائيلية على حقيقتها، بعد تحطّم أسطورتها أمام إرادة وقوة الردع السوري.

التصعيد العسكري الخطير وغير المسبوق، والأول في شكله ونوعه منذ اندلاع الحرب السورية، لم يحظَ على أهميته في الخطاب الاعلامي الممانع ولدى جمهوره بالتدقيق في محتواه ودوافعه، إذ تعاطى معه بإطلاق الكثير من الشعارات على حساب غياب التحليل ومحاولة تفكيك منطلقاته، حيث طغت هتافات النصر وزهوة الفرح على المشهد العام، الذي سادت عليه تعابير مثل "سنهزمهم والسماء تشهد" و"أخطأتم في تقدير قوتنا" و"طائراتكم في مدى صواريخنا وتحت أقدامنا"، متغاضين عن قسوة وقوة الرد الاسرائيلي التي واكبها إعلامه بالقوة نفسها، حيث أجمع على رفع لهجة التحذير من استخفاف سوريا وإيران بالقوة الإسرائيلية، متهماً إياهما باللعب بالنار، ومعتبراً أن إيران أرادت من خلال إرسالها طائرة دون طيار إلى الأجواء الإسرائيلية واستتباعها بإسقاط طائرة "إف 16" توجيه رسالة إلى روسيا وأميركا بأنها لن تسمح بإحلال الهدوء  طالما هي خارج التفاوض، وفي حال الاصرار على استبعادها من دائرة النفوذ في سوريا والمنطقة.

"حزب الله" الذي أدان بشدة "العدوان الاسرائيلي المستمر على سوريا واستهدافه لمنشآتها وبناها العسكرية والمدنية"، أكّد أن "التطورات الأخيرة تعني بشكل قاطع سقوط المعادلات القديمة"، الموقف الذي تماهت معه تغطية قناة "المنار" التي أكدت على أن الرد السوري الصاعق، ولّد صدمة وإرباكاً سياسياً في كيان الاحتلال، الأمر الذي سوف يجبر أرباب السياسة والعسكر في تل أبيب على إعادة قراءتهم وحساباتهم وخططهم بتأنٍ بالغ.

لكن "المنار" ووسائل إعلام الممانعة الأخرى تجاهلت الخوض في مسألة تأخر توقيت الرد على إسرائيل، كونها لا تريد الجواب عن السؤال المفترض طرحه بقوّة:  لماذا الآن بعد اعتياد التغاضي عن عشرات الضربات التي وجهها الطيران الاسرائيلي إلى النظام السوري و"حزب الله" والمصالح الإيرانية في سوريا، ولماذا لم يتم التطرق إلى ماهية وحجم الدور الروسي وضوئه الأخضر الذي أدى إلى إطلاق الصواريخ؟ ربما يكمن الجواب في كون نسب الفضل إلى شجاعة النظام السوري يرفع من معنويات جمهوره بل ويساعد على تعويمه وطنياً وقومياً، ما يجعله من مستلزمات تركيب وتجميل صورة المشهد الإعلامي والدعائي. لكن تعمّد إخفاء البصمات الروسية وإبقاء أصابعها بعيداً من الضوء هو أمر يطيب لإعلام المقاومة وجمهورها، إذ ان معرفته بحقيقة ما جرى سيكشف عن أن بشار الأسد لا يعدو كونه ألعوبة يحرّكها الروس الذين يستعملون سوريا ومقدراتها كصندوق رسائل للأميركيين، الذين أفشلوا اجتماعات أستانة الأخيرة، بعد تصريحهم بأن الحل في سوريا، لا يمكن أن يكون إلا حسب التطلعات الأميركية.

إذن الروس الغاضبون مما تعرضوا له مؤخراً من إذلال في مطار حميميم، ومن إسقاط طائرة "سوخوي 25" ومقتل طيارها مطلع هذا الشهر في إدلب بصاروخ "منباد" مضاد للطائرات (قالوا إن أميركا زودت المعارضة السورية به، الأمر الذي اعتبر الكرملين أن حصول المعارضة السورية عليه مقلق للغاية لروسيا)، هم من أخرج المشهد وكتبوا أحداثه، في حين أنّ إيران والنظام السوري ليسوا بأكثر من ابطال وهميين وكومبارس يستجدون تصفيق الجماهير بحماسة.

ليس من المعلوم حتى الآن ماهية الرد الأميركي على محاولة روسيا لتغيير قواعد الاشتباك في سوريا، لكن المعلوم أن أميركا لم تغيّر في نواياها وخططها المرسومة ضدّ إيران و"حزب الله"، فالأزمة وإن انطفأت لا يعني بأية حال بأن فتيلها قد لا يشتعل مرة أخرى حسب ما تراه الدول المتحكمة بالصراع السوري مناسباً لها.

الإعلام الإسرائيلي تغاضى عن ذكر روسيا تجنباً لأي تصعيد معها وذهب إلى التعاطي مع الموضوع باعتباره تصعيداً إيرانياً خطيراً ضدّ إسرائيل، ملقياً كامل المسؤولية على كاهلها، ومحذراً من خطرها على المنطقة ومن تداعيات أفعالها. إلا أن صحيفة "هآرتس" تفردت بموقف لافت أبرزت فيه اعتبارها أن سياسة بوتين الجديدة ستسمح لإسرائيل بأن تواصل ضرباتها ضدّ سوريا، لكنه في الوقت عينه لن يوقف قوات الاسد عن محاولاتهم استهداف الطائرات الاسرائيلية، وطالما ان القوات الايرانية مفيدة لروسيا، فإنها لن تقوم بردعها وطردها من سوريا، مؤكدة على عدم إمكانية إطلاق الصاروخ واستهداف الطائرة الإسرائيلية، أقله دون معرفة الروس، ناهيك عن أن يكون هذا الأمر بتحريض وتورط مباشر منهم.

بعيداً من كل الصخب والضجيج الإعلامي، فإن إيران التي تحاول من خلال إمساكها للأرض في سوريا،  تقديم نفسها كضامن للأمن على الحدود الإسرائيلية وكصاحبة الكلمة العليا سعياً للتفاوض مع الأميركيين على ورقة الأمن الإسرائيلي، في عمل يستبق التحرك الأميركي الذي يقوده وزير الخارجية الأميركية القادم إلى المنطقة، والساعي إلى تقليص النفوذ الإيراني والعمل على كسر أذرعه في المنطقة، ما يجعل من التطورات التي بدأت صباح السبت وما استتبعها أمراً يفتح الاحتمالات على تطورات خارج أي توقعات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها