الثلاثاء 2018/01/09

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

أوبرا وينفري.. المُدهشة دوماً

الثلاثاء 2018/01/09
أوبرا وينفري.. المُدهشة دوماً
خطاب وينفري الحماسي تم تداوله بكثافة في مواقع التواصل (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم تكن أوبرا وينفري في خطابها اللافت، مساء الأحد، امرأة ملهمة ومؤثرة فحسب، بل بدت تجسيداً لانتصار الحسّ الإنساني وانقلاب الموروث الضعيف إلى حاضر فاعل. ذلك أنّ الإعلامية والممثلة الأميركية فازت بجائزة "سيسيل بي دوميل" الفخرية في حفل توزيع جوائز "غولدن غلوب"، لتكون أول امرأة سمراء تحظى بهذه الجائزة العريقة، التي أتت تتويجاً وتكريماً لمسيرتها الطويلة من النضال والنجاحات التي اكتسبتها بجدارة واستحقاق.

وينفري الشخصية العالمية والمليارديرة المتواضعة المفعمة بالإنسانية والخير، وصلت إلى ما هي عليه كتجسيد جديد لمعاني ذروة النضال والكفاح كونها عاشت حياة مليئة بالصعوبات والعوائق، وتفوقت على نفسها من خلال خوضها معاركها الخاصة، التي حولتها من فتاة افريقية ريفية مهزومة لواحدة من أشهر الشخصيات العالمية في مجال الإعلام وتقديم البرامج الحوارية. ما جعل هذه الجائزة بمثابة إضافة قيّمة على سجّلها الحافل، الذي جعلها قدوة ومثالاً يحتذى به بما ترمز إليه، باعتبارها شخصية نسائية قوية، ذات تجربة رمزية تستحق أن تكون مصدر إلهام لكل نساء العالم.

تكريم وينفري جاء في عامٍ ألقت ظلالها عليه فضيحة المنتج الأميركي هارفي واينتستين، التي تدحرجت وتعاظمت ككرة الثلج، متسببة بسقوط العشرات من الرجال النافذين في هوليوود، بعد مضي أعوام طويلة من الصمت كسره تشجّع النساء اللواتي رفعن صوتهن عالياً، بفضح ما تعرضن له من هارفي واينستين وأمثاله، مستجلبات الدعم والالتفاف حولهن وحول الكثيرات من الضحايا حول العالم، اللواتي تعرضن للاغتصاب والتحرش.

وينفري التي أطلّت على الجمهور بثوبها الأسود، الذي ارتداه معظم الحاضرين، استغلّت خطابها للإشادة بنساء كشفن عن قصص تروي ما تعرّضن له من تحرش جنسي وانتهاكات. وإذ أعلنت أنّ "يوماً جديداً يلوح في الأفق" لكل الفتيات والسيدات، حملت الأمل بقولها "عندما يأتي أخيراً فجر هذا اليوم الجديد سيكون بفضل كثير من النساء الرائعات، كثيرات منهن هنا الليلة، وبعض الرجال الاستثنائيين جداً الذين يكافحون بقوة ليكونوا قادة يدخلون بنا إلى فترة لا يضطر فيها أي شخص إلى قول أنا أيضاً مجدداً"، في إشارة إلى حملة #MeToo.


خطاب وينفري الحماسي تم تداوله بكثافة في مواقع التواصل، ودفع محبيها ومتابعيها لتجديد مطالبتهم لها للترشّح للرئاسة في الانتخابات الأميركية المقبلة، وأعاد المغردون إحياء هاشتاغ #Oprah2020، لمخاطبة أوبرا والطلب إليها بالتفكير جدياً بهذا الأمر، ما يعكس رؤية الشعب الأميركي ورغبته بأن تكون تجربة الكفاح والإنسانية بمختلف معاييرها هي التي ينبغي أن تسود وتحكم كتعبير عن رفض لمعادلات الرئيس الحالي، الذي تبدو كل مقاييسه وقرارته ناتجة من خلفيات مادية وغرور عبثي جعله يدوس على القيم الإنسانية وحقوقها المعنوية، من خلال تجربته في سنته الأولى للحكم. وكأنما أتى ترشيح وينفري كصرخة في وجه دونالد ترامب، الذي عرّى أميركا من إنسانيتها التي يتوق الأميركيون للعودة لقيمها المضافة إلى الحرية والديموقراطية، معتبرين أن وينفري قادرة على فعل ذلك، كونها صاحبة تأثير كبير ومتسع على الثقافة الأميركية بمختلف طبقاتها.

إيصال ترامب إلى مقعد الرئاسة وتجربته في الحكم جعل الكثير من الأميركيين يقومون بمراجعات ذاتية، ويرون أن من يستحق الوصول لسدّة الحكم، ويستحق رئاسة بلادهم والعالم يجب أن يكون صاحب رؤية ذات منظور مختلف، من خلال تثمين قيمة النضال والكفاح المترافقة بالحسّ الأخلاقي والإنساني ما يجعل ترشيح وينفري للرئاسة أمر غير عبثي، ولم يتأتى كنتاج لشعور لحظوي عاطفي، فالمال إن أفسد عقل ترامب، إلا أنه جعل من المرأة التي قدّرت مجلة "فوربس" العام الماضي، أن صافي ثروتها بلغ ثلاثة مليارات دولار، ما يضعها في المركز الثالث في قائمة أغنى النساء في أميركا والعالم، جعلها الشخصية العصامية الأولى التي بنت ثروتها من خلال كفاحٍ شخصي جعلها ملتصقة بقضايا الشعب والقيم الإنسانية، ما يجعل الحاجة إلى وجود وينفري في أهمّ مواقع المسؤولية، هو ما تحتاجه أميركا ويحتاجه العالم في زمن تسود فيه المادية والحرب والسلاح والتمييز وغلبة الأقوى. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها