الخميس 2018/01/04

آخر تحديث: 10:49 (بيروت)

سوريا: تسوية ما بعد الحرب.. في الإعلام

الخميس 2018/01/04
سوريا: تسوية ما بعد الحرب.. في الإعلام
إبعاد شادي حلوة جزء من استراتيجية اقصاء الاعلاميين الحربيين واحتواء الظاهرة
increase حجم الخط decrease
لن تستقر التسوية السورية على صورة حل نهائي، من غير أن تشمل "ضبط" الاعلام، وإعادته الى مركزيته، بموازاة تطويق الميليشيات الموالية، وضبط السلاح، بالنظر الى ان العنصرين متكاملين، "ويهددان صورة الحكم". 
هذا المنطق، يفسر التعديل الوزاري الذي طاول، الى جانب وزيري الدفاع والصناعة، وزارة الاعلام التي حمل حقيبتها الوزير عماد عبد الله سارة، ويروج له اعلام النظام بوصفه "الإصلاحي" و"محارب الفساد"، و"اعلامي يتمتع برؤية جديدة".  

فالقرار الأول الذي اتخذه سارة، القاضي بايقاف بإبعاد المراسل الحربي الابرز في سوريا شادي حلوة برنامج "هنا حلب"، وإعادته الى ملاك الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون، يؤكد بما لا يحمل الشك أن قراراً اتخذ بإبعاد كل ما يرتبط بالميدان والعمل العسكري، عن الاعلام، وإعادة ضبط البث الاعلامي بما لا يخرج عن سيطرة النظام، أو لا يهدد صورة "الدولة" التي تعمل روسيا على إعادة تأهيلها، وتقديمها بصورة مغايرة لما درجت خلال السنوات الست الماضية. وهي الصورة التي تركت انطباعاً دولياً بأنها "دولة متهالكة"، تحكمها "ميليشيات مارقة"، وتروج لتلك الميليشيات منصات اعلامية وصفحات الكترونية صنعت رموزاً عسكريين، ليس أقلهم العميد سهيل الحسن. 

وحلوة، يعد من أبرز المراسلين الحربيين الذين خرجوا عن طواعية المركزية الاعلامية في دمشق، إذ حول برنامجه "هنا حلب" من برنامج يواكب الحدث، الى برنامج يروّج للصورة المارقة في الميدان، قبل أن يستحيل في الحلقات الأخيرة برنامجاً ناقلاً لمطالب الشعب، كما هو الحال في الحلقات الاخيرة منه. وقبل هذا التحول، الذي لم يسعفه للبقاء على رأس تقديم البرنامج، كان حلوة رأس حربة في التغطية الاعلامية المواكبة لسهيل الحسن، وذراعاً دعائياً احتاجه النظام في معركة استعادة حلب وما قبلها، ومعركة تطهير الريف الشرقي من "داعش" وما بعدها، وصولاً الى معارك ريف حماه. 

لكن الأمر تبدل الآن. لم يعد ثمة حاجة للتغريد خارج السرب المركزي، ولا لصناعة رجالات ورموز، ولا لتحشيد عسكري في مواقع التواصل. فالدولة التي يجب أن تتأهل من جديد، لن تكتسب كينونتها بوجود "شوائب" عسكرية، وميليشيات تطل من أكمام الدولة وقبعتها. ولن يستقر الحضور الدولتي، بما يحتويه من ايحاءات بـ"الهيبة" و"المركزية"، إلا بتحقيق أمرين: أولهما "حصر السلاح بيد الشرعية"، وهو المصطلح الفضفاض الذي يتكرر على امتداد الازمات المحيطة بالمنطقة، وإعادة ضبط الاعلام، وهو ما اختبرناه، نحن اللبنانيون، في تسوية اتفاق الطائف. 

في الشرط الأول، تتولى روسيا الأمر، وتبادر الى سحب قواتها وتدعو واشنطن لسحب قواتها، فيما يعمل النظام على اعادة ضبط الميليشيات وتقليص نفوذها. أما الشرط الثاني، فتتولاه دمشق عبر اعادة ضبط الاعلام، واسترجاعه الى قبضتها المركزية. وتسير الاستراتيجية وفق آلية الغاء مظاهر "العسكرة" في الاعلام، عبر تقليص البرامج العسكرية والتغطيات الميدانية الخارجة عن سياق الرقابة، إضافة الى اقفال صفحات "فايسبوك" المغردة خارج السياق. 

وقد بدأت دمشق بهذه الخطوة منذ اتخاذ القرار في العام 2014 باشتراط الاذونات الامنية للتغطيات الميدانية، لتُستكمل في الاشهر الماضية عبر الغاء ظاهرة الورش التدريبية على التغطيات الميدانية. 

ويبدو أن تكليف الوزير سارة بحقيبة الاعلام في التعديل الوزاري الاخير، لا يخرج عن هذا الاطار. فإذا كان ضبط انتشار السلاح (المتوسط والثقيل على الاقل) يمثل خطوة على طريق إعادة هيبة الدولة، فإن ابعاده من الاعلام، يمثل أولوية لاعادة تأهيل "صورة الدولة"، وهو واحد من مقتصيات التسوية التي لا تنتظر التوصل الى حل سياسي للازمة، بل تمهد له عبر تأهيل صورة جديدة للنظام. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها