الإثنين 2018/01/22

آخر تحديث: 19:03 (بيروت)

#لن_يُعرض_في_لبنان: استحضار "مسمار المقاومة".. وتهديد المشنوق!

الإثنين 2018/01/22
#لن_يُعرض_في_لبنان: استحضار "مسمار المقاومة".. وتهديد المشنوق!
برز تحذير وتهديد مباشر للمشنوق من أن توقيعه على السماح بعرض الفيلم سيؤدي إلى فتنة داخلية! (عن تويتر)
increase حجم الخط decrease
التذكير بأحداث السابع من أيار والتلويح بإمكانية العودة إلى مثلها، يوضح مدى استعار السجال الدائر في مواقع التواصل منذ أيام حول قرار وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي سمح بعرض فيلم "ذا بوست" للمخرج العالني ستيفين سبيلبرغ، وذلك بعد منع الفيلم من قبل الأمن العام، عقب حملة أطلقها جمهور المقاومة بعنوان "#لن_يعرض_في_لبنان" تخطّت سقوف النقاش والتعبير فيها، الآراء الرافضة لعرض الفيلم وانتقاد مواقف مخرجه كونه داعم لإسرائيل، إذ حملت التغريدات رسائل تهديد ووعيد مباشرة، بأن أياً من دور السينما التي ستتجرأ وتعرض الفيلم ستكون عرضة للتحطيم والتهشيم، بل ذهب الأمر إلى اعتبار كل من يشاهد الفيلم أو يدافع عن عرضه، يقف في خانة الخونة والعملاء.


الحملة الافتراضية لم تخرج عن السياق الركيك والشعبوي، لكنها انطلقت واستمدّت زخمها من أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، عقب كلمته الأخيرة، والتي شنّ فيها هجوماً لاذعاً على قرار السماح بعرض الفيلم، محذراً بعدم التسامح مع ما اعتبره "خطوات التطبيع مع العدو"، مطلقاً بذلك إشارة واضحة لجمهوره ومؤيديه بغية تصعيد مواقفهم من خلال تبني "قضية" بدا من المبالغ جداً فيه، بأن نسميها أو نعتبرها قضية، كونها لا تخرج عن سياق المزايدات لناحية عدم واقعية وجود أي من شروط التطبيع أو خرق الالتزام به من مجرد عرض فيلم مخرجه يهودي متعاطف مع إسرائيل. إذ إن هذه الصفة تكاد تنطبق على هوليوود بمعظمها، ممثلين ومخرجين ومنتجين، بل على دولٍ بأكملها، تدخل إحداها بحلفٍ مع محور المقاومة في الوقت ذاته الذي تقوم فيه بمراعاة إسرائيل والتنسيق الأمني معها وتسهيل ضرباتها لحزب الله في سوريا، ألا وهي روسيا. ما يوضح مدى الشيزوفرنيا السياسية في المواقف التي كثيراً ما تخرج عن قيادات محور المقاومة، خصوصاً حينما يريدون شدّ العصب الشعبي والجماهيري، من خلال النقر على وتر اللحن الذي يطيب للجمهور سماعه ويتحلق حوله، وهي طبعاً قضية فلسطين ومعاداة إسرائيل في التصدي لها.

في حال استمرار الحملة وتصاعدها، والتي يبدو من الواضح أنها تهدف لإرسال أكثر من إشارة ذات مغازٍ متعددة، للداخل والإقليم والخارج، فإنّ الأمر ذاهب في مسارات تتخطى خطورتها محاولات الانقضاض على الوعي الجماعي، وإملاء الإرادة ونزع الحق بحرية الاختيار. إذ بدا التوق للصدام والعنف ظاهراً لجهة التحريض على النزول إلى الشارع وافتعال الشغب، وإبداء مظاهر شبق التدمير والتحطيم وتظهير ترجمة القوة العسكرية كواقعٍ يفرض بالقهر والإجبار على الناس مفهوم حامل السلاح من منطلق أن الضعيف يقهره الأقوى، بصرف النظر عن قوة الحق أو الحجة.

لكن الأخطر من هذا كلّه ما برز جلياً في صفحات مواقع التواصل من أنصار "المقاومة"، الذين تفتقت عبقريتهم ووقاحتهم عن تحذير الوزير المشنوق وتهديده مباشرة من أن توقيعه على السماح بعرض الفيلم سيؤدي إلى فتنة داخلية لا تبقي ولا تذر! أما في حال لم يسحب توقيعه ولم يتراجع عنه "فليتحمّل مسؤولية ما سيحصل جراء قراره هذا"!

قد لا تعدو كل هذه الحملة عن كونها زوبعة في فنجان، كون القيادات والزعامات تدأب في العادة على إيصال رسائل ذات أبعاد مختلفة، من خلال استغلال أي حدث مهما بدا صغيراً، بغية تعويم موقف ما أو إطلاق رد يهم صاحب الرأي أن يوصله لمن يهمه الأمر. وهذا ما دأب عليه "حزب الله" في العادة، لذا فإن هذه الحملة لا تتخطى كونها واجهة وصورة تتصدر المشهد لمحتوى قد يكون بعيداً كل البعد من الهدف الاساسي المنشود من وراء إطلاقها. فالانخراط في الحرب السورية بدأه "حزب الله" بحجّة الدفاع عن اللبنانيين الشيعة على الحدود السورية اللبنانية، لينتهي به الأمر بالإفصاح عن أن "حزب الله" سيكون حيث يجب أن يكون.

افتعال أزمة بحجة عرض فيلم أو منعه، يأتي كموجة يناسب حجمها وتوقيتها "حزب الله" الذي رآها مؤاتية لركوبها، كونها تصلح كعنوان يشدّ فيه عصب جمهوره، بعد الانتقادات التي استشرت في المجتمع الداخلي للحزب وعبرت عن الاعتراض والتذمر على تورطه الذي طال أمده في سوريا. كما أن الحملة تهدف إلى الردّ على محاولات حصار وخنق الحزب اقتصادياً لإفهام الجميع في الداخل والخارج بأنه لن يقف مكتوف اليدين في حال استشعاره بخطر ضيق الخناق عليه، كون شرارات هذه الحملة ليست بعيدة من الحليف العوني، بعدما طفت على السطح مجموعة أمور بدا أن "حزب الله" غير راضٍ عن أداء حليفه البرتقالي تجاهها، إن كان لناحية السياسة الخارجية أو التعيينات في الدولة، أو إدارة الشأن الداخلي، وصولاً إلى ما يحاك من تحالفات انتخابية لا يبدو أن الحزب يريد لحليفه أن يذهب إلى المدى البعيد في التعاون مع خصومه التقليديين فيها.

قد يذهب البعض بعيداً من خلال اعتباره هذه الحملة والمواقف والشعارات التي تطلق من خلالها غير بعيدة من التحولات الدراماتيكية الحاصلة في اليمن والتصعيد في المواقف السعودية، ومواقف الرئيس دونالد ترامب والاتفاق النووي الايراني، وتشديد الكونغرس العقوبات على إيران، وصولاً إلى مجلس العموم البريطاني الذي سيدرس وضع "حزب الله"على لائحة الإرهاب، ما قد يستجر دول أوروبية أخرى أن تحذو حذو بريطانيا. لكن مهما اختلفت التحليلات والقراءات، فإن ما لا لبس فيه هو أنّ "حزب الله" يحاول العودة بقاعدته الشعبية وأنصاره وكوادره إلى القضية الأساس، وهي "المقاومة"،  تماماً مثل "مسمار جحا"، بعدما بدت تتجلى حرب ما في الأفق تقودها إسرائيل وتستهدف الحزب، وذلك تدعيماً للمواكبة الشعبية وضمان التفافها في حال نشوب حرب مماثلة لحرب 2006 التي بدا من اللافت مؤخراً مدى التذكير بها واستراجاع تفاصيل "إنجازاتها"، بعدما انطوت مستلزمات بروباغندا الحرب على الارهاب إثر انحسار قطره في المنطقة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها