السبت 2018/01/20

آخر تحديث: 12:07 (بيروت)

حينما يُعتقل فلسطينيون: لا مكان للصحافة.. الأهل مصوّرون

السبت 2018/01/20
حينما يُعتقل فلسطينيون: لا مكان للصحافة.. الأهل مصوّرون
الفلسطيني عبد الرحمن نصوح اشتية وطفلته اثناء اعتقاله
increase حجم الخط decrease
لم يكن رائجاً، حتى قبل سنوات ثلاث، أن يؤدي أهالي المعتقلين الفلسطينيين وبشكل لافت، دور المصور الصحافي الذي يغيب- طبعاً- عن توثيق لحظات اعتقال تنفذها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل ليلي. 

يعود ذلك الى أربعة أسباب موضوعية، يتعلق أولها بعدم التوقع المسبق لمكان عملية الاعتقال وهوية الهدف، علاوة على أن الحدث يقع في وقت متأخر من الليل أو ساعات الفجر، إضافة إلى قيود احتلالية تُفرض في محيط منزل المُعتَقَل بحجة وجود "نشاط أمني في المنطقة"، ناهيك عن خصوصية اللحظة والمكان، لا سيما وأننا نتحدث عن منزل، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام دخول المصور الصحافي واقتناص وتوثيق الحدث ولو بصورة أو فيديو.

لذلك، أخذ أهالي المعتقلين على عاتقهم أن يتحولوا مصورين صحافيين في هذه اللحظة، مستفيدين من عصر الهواتف الذكية والسوشيال ميديا، فيلتقطون صور وداع تجمع الفلسطيني أثناء اعتقاله من منزله مع أطفاله أو أقربائه، ليوثقوا مشهداً عاطفياً وإنسانياً يختزل الحكاية كلها، ما يجعل تلك الصورة تمتلك قيمة خبرية مهمة لما تمتاز به من توثيق غير معهود للعاطفة والحدث في آن، فتنتشر كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة وحتى المواقع الإخبارية المحلية والدولية، بشكل يُجسّد ما تعرف بـ"صحافة المواطن"، ولكن بنكهة مُغايِرة تماماً، ارتباطاً بخصوصية الحدث نفسه.

والواقع، أن صورة الشاب الفلسطيني عبد الرحمن نصوح اشتية (32 عاماً) التي جمعته بطفلته (أسمى المنى) البالغة من العمر نحو سنتين، وهو يحتضنها بعمق وتأثر كبيرين، بينما يحيط به جنود الاحتلال تمهيداً لإعتقاله من منزله الواقع في بلدة سالم قضاء نابلس فجر الأربعاء، تُعتبرُ المثال الأحدث من بين أمثلة متعددة لصور اشتُهرت بهذا السياق في السنوات الأخيرة. 

وتقول يقين زيادة، زوجة المعتقل عبد الرحمن التي التقطت الصورة عبر هاتفها النقال، لـ"المدن" إن دوافع الصورة بدأت عندما حاول ضابط الاحتلال المسؤول عن القوة التي اقتحمت المنزل لاعتقال زوجها، أن يستفز ويُرهب العائلة عبر الإيحاء بأن عبد الرحمن سيمكث في السجن لفترة طويلة هذه المرة، عبر قوله "خلينا نأخذ صورة عائلية لكم". 

لكن زيادة قابلته بالرفض، وبعد تردد وإرتباك، قررت أن ترد على الضابط الإسرائيلي بالتقاط صورة لعبد الرحمن يحتضن فيها طفلته "أسمى المُنى" بشكل عفوي؛ ذلك أنّ الأخيرة متعلقة به جداً ودائمة السؤال عنه والإتصال به لسماع صوته على الدوام، وكلما خرج من المنزل.

وتضيف يقين زيادة، التي ستضع مولودها الثاني قريباً، خلال فترة زواج دخلت عامها الثالث، أنها هدفت من التقاط الصورة المذكورة أن تحقق غايتين: الأولى، من أجل أن تحتفظ بالصورة لإبنتها كي تريها أباها الذي ستسأل عنه كثيراً خلال أسره. والغاية الثانية، أنها ترتأي أن تجعل من الصورة توثيقاً لـ"قمة الألم الفلسطيني" ونقله للعالم، علّه يتذكر كل مرة "مَن هو الظالم والمظلوم".

وحول أهمية توافر الخبرة اللازمة للتصوير من قبل افراد عائلات المعتقلين وامتلاكهم المعدات الحديثة لأخذ صور بجودة صحافية عالية من شأنها أن تساعد في رواية الحكاية بقوة أكبر، تقول زيادة إن اللحظة بحد ذاتها هي التي تُتقن الصورة، وهي العامل الأهم في جعل الصورة بقيمة عاطفية وإنسانية وخبرية قوية، لتُجبر كل الوكالات والمواقع على التعاطي والتفاعل معها، معتبرة أن كل فلسطيني يجب ان يلعب دور الصحافي، بل هو واجب على الأهل، كي يتم توثيق حالة القلق والظلم التي نتعرض لها في عمليات الإقتحام والإعتقال التي نتعرض لها منتصف الليل، فيما قد لا يتواجد المصورون الصحفيون لحظة حدث ما. 

وتشير زيادة إلى انه بمجرد اثبات الظلم من خلال الصورة غصباً عن جنود الإحتلال، فإن ذلك يُشكّل تعبيراً عن موقف قوة لنا، ونقطة ضعف للإحتلال. 

وعلق الأسير المحرر، سامي الساعي، من طولكرم، على صورة المعتقل عبد الرحمن نصوح وهو يحتضن طفلته، بمنشور على صفحته الفايسبوكية، كتب فيه: "لا يعرف احد بماذا يفكر هذا الرجل او ما ينتابه من شعور، سوى من خاض التجربة.. عندما حضر جنود الاحتلال الى منزلي فجر التاسع من آذار عام ٢٠١٦ ، احتضنت طفلي الصغير المصطفى، ولم يقبل ان يتركني حتى وانا اخرج معتقلا على يد الجنود، حتى تدخل احدهم وانتزعه مني وناوله لزوجتي، ليقيدوني ويقتادوني إلى دورياتهم. فلم احتضنه مرة اخرى الا بعد مرور ٩ اشهر في الاعتقال، فما بالكم من يقضى حكما بالسنوات؟؟".

 بدوره، علّق المصور الصحافي في وكالة AP علاء بدارنة على الصورة، بمنشور على صفحته في فايسبوك قائلاً: "بالرغم من قلة الخبرة في التصوير وعدم امتلاك معدات حديثه والاكتفاء باستخدام الهاتف النقال، فإن الصورة المرفقة لوداع عبد الرحمن لطفلته تعتبر صورة صحفية بامتياز وذات قيمة اخبارية عالية. وهنا تكمن اهمية citizen journalism".

صورة أخرى، اشتُهرت للأسير المحرر من سجون الاحتلال حمزة العامودي وهو يقف باسم الوجه مع طفليه أثناء اعتقاله على يد جنود الإحتلال من منزله بمدينة نابلس. ويقول العامودي لـ"المدن" إن الصورة التقطتها ايضاَ زوجته، موضحاً أنها كانت صورة عفوية جاءت بعد أن قُرع باب المنزل فجر السادس عشر من مايو/أيار من عام 2016، إذ أنه كان حينها متوقعاً لاعتقاله في أية لحظة، فما كان منه إلا أن قام بضم ولديه، واخذت زوجته الأمر عن محمل الجد، فالتقطت الصورة لهم.

ويؤكد العامودي أن الهدف من الصورة كان بالدرجة الأولى عاطفياً لإشعار ابنائه أنه سيعود إليهم قريباً وأن الإعتقال أمر عادي قي ظل الإحتلال، لكن ابنه صهيب، ظل طيلة اشهر اعتقال والده، يمسك الصورة في المدرسة ويبكي، فكان للمشهد وقعٌ نفسي كبير عليه.

لم يكن يعلم حمزة العامودي طيلة فترة اعتقاله التي امتدت لسنة كاملة، أن الصورة قد انتشرت بقوة في السوشيال ميديا، وان المذيعة في قناة الجزيرة خديجة بن قنة، ستكون أحد ناشريها على صفحتها الفايسبوكية لتحظى بتعليقات ومشاركات واسعة. ولكن، قبل ايام قليلة من الإفراج عنه، قال ضابط اسرائيلي لحمزة "أنت أصبحت مشهوراً بسبب الصورة"، موضحاً (أي حمزة) أنه تفاجأ بانتشار الصورة التي اتسمت بالعفوية الشديدة، وخلت من الإستعراض بأي حال من الاحوال، لأنه لا مجال لذلك أصلاً.

وبينما حظي الاعتقال الرابع لحمزة العامودي بهذا التفاعل نتيجة الصورة سالفة الذكر العام الماضي، فإن مرات الإعتقال الثلاثة التي سبقتها خلال اعوام 2002، 2004، و2008، لم تحظَ بالتفاعل والتوثيق كما كان عليه الحال في المرة الأخيرة، والسبب، بحسب حمزة، يعود إلى انتشار الهواتف الذكية وصعود السوشيال ميديا وتأثيره القوي.

ولعل الصور التي يصطادها ذوو المعتقلين، تأتي في وقت تتصاعد فيه "حرب الكاميرات" بين الفلسطينيين والإحتلال. ففي مواقع الأحداث الميدانية المختلفة بالضفة الغربية سواء كانت اعتقالات أو تظاهرات أو اقتحامات، تقف الصور والفيديوهات التي يلتقطها مواطنون عاديون لتنافس صور الصحفيين، فيواجهها في المقابل عمليات تصوير مستمرة من قبل جنود الاحتلال للشبان المتظاهرين عبر هواتفهم النقالة أو كاميرات متخصصة، بغية جعلها مادة إدانة لهم حينما يتم اعتقالهم من جهة، وإرهابهم كي يفكروا ألف مرة بالنزول للميدان من جهة اخرى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها