الخميس 2018/01/18

آخر تحديث: 18:38 (بيروت)

مالك مكتبي يصالح النفس مع الجسد

الخميس 2018/01/18
مالك مكتبي يصالح النفس مع الجسد
increase حجم الخط decrease
لا يخضع ميكانيزم إنعكاس صورة الجسد في المرآة للقوانين الفيزيائية فحسب. فالفيزياء تفترض أن تكون الصورة في المرآة إنعكاساً مطابقاً لما هو أمامها. لكن الواقع الإنساني لا يأبه بالمعادلات الفيزيائية الموضوعية، ولا يرى صورته في المرآة سوى بعدسة ذاتية مشوهة.


هذا التشوّه، أو تملكه في نفس امرأة، ردّ عليه مالك مكتبي، في الحلقة الأخيرة من برنامجه "أحمر بالخط العريض"، باستدعاء الاقنعة، وبإزالتها. فتح الهواء لتلك النساء المقنعات، أولئك اللواتي يحيين صراعاً مستمراً مع مراياهن. ولم يستسلم أمام مأساة، وأمام هول شعور نفسي بالـ"بشاعة" التي تجافي الطموحات، وتنتقص من قدرة المرأة على الصمود، وتفقدها عنصر المقاومة الذي يتمثل بالثقة. وضع نفسه في سجن ثلاث نساء، كل منهن تعاني، وخرج معهن الى فضاء أرحب، مفعم بالامل، وقد زاد جرعة الشجاعة في مشاهدين أيضاً منحهم شعوراً بالقدرة على التحدي.

الصبية الأولى (فرح) تعيش سجينة منزلها منذ كانت في العاشرة من عمرها لأنها تعاني من تشوّه خلقي على شكل ورمٍ في الوجه. الثانية (فريدا) حطّمت مرايا منزلها لأنها لا تستطيع النظر إليها، أما نظرات الناس فهي تصدّها بنظارات سوداء. المرأة الثالثة (سعاد) تعتبر عملية التجميل "حقنة مخدّر" لا تستطيع تأجيلها.

لا تشكّل هذه النساء سوى نسبة صغيرة من ضحايا عمليات التجميل التي تحوّلت إلى شيء شبيه بـ"وباء" أو فريضة تشعر المرأة أنها ملزمة على تأديتها، خصوصاً مع ترويج الإعلام المحلي والعالمي لها. لكن وبالرغم من ذلك، قليل ما تتحدّث النساء في مجتمعنا، والشهيرات منهن على وجه الخصوص، عن هذا الجانب البلاستيكي من جمالهن. وإذا فتح النقاش حول الموضوع، فهو يقتصر على الإنتقادات أو الإستخفاف، لكن نادراً ما يبحث عمّا وراء هذا السلوك القهري الذي يدفع ببعض النساء إلى إجراء تحوّل كامل في وجوههن، وبالتالي في هويتهن.

لكن مكتبي فتح هذا النقاش على مصراعيه، وقاربه من زاوية إنسانية غير معهودة في الإعلام اللبناني. فقد طرح وضيفاته، مفاهيم جوهرية لا يمكن فهم تجارب النساء الثلاثة سوى من خلالها. فقد تحدّثت فريدا عن "صورة الجسد المثالية" التي حاولت أن تغشّ الزمن في سبيلها. فمنذ أن بانت التجعيدة الأولى على وجهها في عمر السادسة والعشرين، سارعت فريدا (وهي كانت قد إنتخبت كملكة جمال الجنوب منذ أكثر من عقدين) إلى إجراء أوّل عملية تجميلية لوجهها. ومنذ ذلك الحين دخلت فريدا في "دوامة عمليات التجميل"، وذلك من أجل "الحفاظ على صورة الباربي". وبعد أن تغيرت معالم وجهها بالكامل، أدركت فريدا أن الصورة المثالية هي صورة مستحيلة، وما أصبحت عليه في المقابل هو "امرأة بشعة،" وفق تعبيرها.

أقرّت فريدا بأنها تقول عبارة "بشعة" بألم. والذي يحيا في عالمنا ويدرك الأهمية التي يوليها هذا العالم لجمال المرأة، لا بدّ له أن يفهم ألم فريدا ويتفهمه. أما مكتبي، فقد بدى مدركاً لهذا الواقع وما يحمله من إجحاف، خصوصاً بالنسبة لأقل النساء حظاً في ما يخصّ الجمال الخارجي. لم يحاول أن ينكر شرعية الألم الذي تعيشه فريدا، بل سعى إلى نقل صورة حيّة عنه عبر الأسئلة التي وجهها إليها.

أما فرح، فهي كانت قد إتجهت إليه من أجل أن "تسمعني، تفهمني، تطلعني من عزلتي". إن إقدام امرأة تعيش عزلةً كاملةً على الظهور على التلفاز كي يستمع إليها مكتبي وجمهوره هو دليل على أنها إستنفدت كلّ سبل التعبير عن تجربتها دون أن تلقى أذاناً صاغية. فالإنسان حين يرى منظراً مؤلماً، يشيح بوجهه تلقائياً. وقد أشاح مجتمع فرح بنظره وسمعه عنها، حتى إضطرها إلى اللجوء لبرنامج تلفزيوني كي تخرج عن صمتها وعزلتها بأكثر الطرق علانيةً.

ومكتبي، بهذا الاداء، يخالف الأدوار التي يلعبها مقدمي البرامج اللبنانيين في هذا الوقت، من الكوميدي الساخر، إلى الأب الواعظ، أو حارس الأخلاق، أو الثرثار الذي ينهال بالأسئلة دون أن ينتظر الإجابات! يؤدّي مكتبي في برنامجه دور المستمع بالدرجة الأولى. فهو قد أعطى الهواء والكلمة لضيفاته، وإكتفى بتوجيه الأسئلة دون أن يطغى على إجاباتهن صوته الناقد.

وأبدى مالكي تقديره وتفهّمه بل وتعاطفه مع المعاناة التي تعيشها ضيفاته الثلاثة من بين آلاف النساء. فهو لم يقدم على التبخيس بتجاربهن التي قد يضعها البعض في خانة "الهوس" أو "المبالغة"، بل إعتبر أن نزع فرح وفريدا لأقنعتهما في نهاية الحلقة "أهم لحظات البرنامج".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها