الصعيد المصري يتمرد على صورته الحكومية

يشير التصريح الذي أثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، الى نظرة غريبة منه تجاه أهل الصعيد باعتبارهم "درجة ثانية"، ما أثار غضب عدد من نواب المجلس النيابي المصري. 

كيف يمكن لوزير أن يستهلّ أعماله بنظرة عنصرية/فوقية مثل تلك؟ ليخرج الوزير مرة أخرى في مداخلة هاتفية مع برنامج "يحدث في مصر"، موضحاً أنه يريد "توفير فرص عمل تناسبهم في محافظاتهم.. الصعايدة بييجوا يعملوا عشوائيات هنا (يقصد في القاهرة)، أنا نِفسي يركبوا القَطر تاني ويرجعوا الصعيد".

لم يتراجع الوزير فوراً ولم يدرك فداحة تصريحه، فكرره مرة أخرى، وبعبارات أكثر عنصرية من سابقاتها. لا يعلم السيد الوزير الحالي وهو الرئيس السابق لجهاز الإحصاء، أن تصريحاته لا تدين أهل الصعيد بقدر ما تدين الدولة التي لا توفر فرص عمل في المحافظات كما في العاصمة، وأن هجرة أهل الصعيد ليست إلا للبحث عن سوق عمل تتوافر فيه مساحة حرية أكبر من مثيلاتها في جنوب مصر. 

قوبلت تصريحات الوزير بعاصفة من التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، لا تدافع عن الصعيد باعتباره أساس الهوية المصرية فحسب، بل لأن الوزير لا يعي حجم الإدانة التي يورط فيها نفسه ودولته وحكومته، المسؤولة بشكل أساسي عما يحدث في الصعيد وغيره من المناطق.

بعد العاصفة، أدرك الوزير أن تصريحاته سببت غضباً على المستويين الرسمي والشعبي، فما كان منه إلا أن اعتذر في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج "على مسؤوليتي" على شاشة "صدى البلد"، حيث قال إنه يقصد من كلامه خدمة أهالى صعيد مصر، عن طريق عمل مشاريع تنموية، وتوفير فرص عمل لائقة للقضاء على البطالة، والتنمية فى مجالات عديدة.

ثم صدر بيان من مجلس الوزراء يؤكد على احترامه الكامل لأبناء الصعيد ودورهم في رفعة ورقي البلد، وأن مسيرة التنمية لا تستكمل إلا بالتكاتف والبعد عن أي أفكار هدامة وسوء فهم، موضحاً أن الصعيد في قلب عملية التنمية الشاملة لتحقيق الخير والرخاء لأبنائه.. وأن الدولة تتطلع إلى هذا الجزء الغالى من الوطن باعتباره في قلب عملية التنمية الشاملة التي تهدف إلى الانطلاق نحو مستقبل أفضل يرتقي بمنطقة الصعيد ويحقق لأبنائها الكرام الخير والرخاء.

ثمة خلل واضح في تعامل الحكومة - بوزرائها - مع الإعلام، تشي بعدم احترافية، وأكثر من ذلك، توضح مستوى "الأمان" الذي يشعرون به، حيث إن الإعلام كله أصبح بشكل أو بآخر مملوكاً للدولة. خطأ مثل هذا، يقيل وزيراً في أي دولة تحترم القانون، لكن ثمة مساحة أكبر للخطأ من المسؤولين، طالما أن كل شيء في أيديهم.