السبت 2017/09/09

آخر تحديث: 16:37 (بيروت)

قضية "هيومن رايتس ووتش": لا جديد في المخيلة المصرية

السبت 2017/09/09
قضية "هيومن رايتس ووتش": لا جديد في المخيلة المصرية
إضاءة شموع في روما في ذكرى الطالب جيوليو ريجيني الذين وجدت جثته في القاهرة وفيها آثار تعذيب (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ماذا توقعت "هيومن رايتس ووتش" حينما نشرت تقريرها الضخم الذي تجاوز الأربعين صفحة وتدين فيه المؤسسة الأمنية المصرية نفسها، ما يمكن أن يُعتبر -بلا مبالغة- جريمة حرب؟

فالتقرير وثّق كيف استخدمت قوات الأمن، لا سيما عناصر وضباط الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، التعذيب، لإرغام المشتبه فيهم على الاعتراف أو الإفصاح عن معلومات، أو لمعاقبتهم. وذكر التقرير أيضاً أن النيابة العامة "تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، ما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب".

التقرير، باختصار، ناتج عن مقابلات أجرتها مع 19 معتقلاً سابقاً، وأسرة معتقل آخر، قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب بين العامين 2014 و2016. كما راجعت، بحسب قولها، عشرات التقارير عن التعذيب التي أصدرتها المنظمات الحقوقية ووسائل إعلام مصرية.

لا تقدم المنظمة الحقوقية الدولية إلا أوراق عداوتها مع الحكومة المصرية، وهي ليست الأولى في تاريخها القصير، بل كانت هناك مواجهة سابقة في تقرير المنظمة عما حدث في "رابعة العدوية" وعدد ضحاياها، وهو ما كرست له الدولة نفسها للرد عليه والخروج بتقرير رسمي حكومي يكذّب الكثير من تفاصيل ما نشرته "هيومن رايتس ووتش".

الظرف السياسي في مصر 2013 يختلف كثيراً عن اليوم، حينما حاول المشير عبدالفتاح السيسي أن يثبت قدميه على أرض السلطة المصرية، ولم يكن قد طُرح بشكل رسمي بعد كمرشح رئاسي. أما في اليوم، فتوشك فترته الرئاسية الأولى على الانتهاء، وبعد خطوات واسعة وثابتة في إغلاق أي احتمالية أو منفذ في المجال العام للحركة والكلام، وبعدما تجاوزت المواقع المحجوبة في مصر 250 موقعاً.

لكن الحجب هذه المرة لم يحدث "في صمت" كما جرت العادة، بل سبقته ضجة بروباغندا ضارية، للرد على "الاتهامات" الموجودة بالتقرير، حيث انتقدت الخارجية المصرية التقرير وقالت إنه يشوه سمعة البلاد ويتجاهل ما تحقق من تقدم في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. وأن التقرير "يعد حلقة جديدة من حلقات الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب تلك المنظمة المعروفة أجندتها السياسية وتوجهاتها المنحازة والتي تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها‏"، من دون أن توضح الخارجية ما هي الدول والجهات التي تمولها! غير أن جريدة "اليوم السابع"، كعادتها، حسمت ذلك التساؤل الكبير بنشر صورة للوغو المنظمة إلى جانب صورة.. أمير قطر!

بعد التقرير أيضاً، خرج رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، كرم جبر، عن صمته، عبر برنامج "آخر النهار" مع الإعلامي محمد الدسوقي رشدي، ليهاجم "هيومان رايتس ووتش" واتهمها باستهداف تشويه الزيارات الناجحة التي يقوم بها الرئيس السيسي، للصين وحضور قمة "البريكس" التي تضم أقطاباً مرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي العام 2050. ثم قال إن المنظمة قائمة على أكاذيب مجهولة المصدر، مشيراً إلى أن هذا التقرير الأخير لـ"رايتس ووتش" يعدّ "الأسوأ" ومليئاً بالكثير من الأكاذيب وعلى رأسها الإختفاء القسري بعد التأكد من أن "الأسماء التي طرحتها المنظمة موجودة في سوريا وبعض البلدان المجاورة" كما قال جبر.

ولعل أطرف ما قاله رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، أن "السجون المصرية مفتوحة أمام الجميع ليقف على حقيقة التعذيب والادعاءات المختلفة من المنظمة، وأن الدليل الأبرز على تزييف الواقع من قبل تلك المنظمة، قيادات جماعة الإخوان، التي تظهر في المحاكمات بصحة جيدة ويتم نقلهم للمستشفيات حال الحاجة إلى علاج.. والكارثة تتمثل في أن أحد الأشخاص من شهود العيان الذين اعتمدت عليهم "هيومان رايتس ووتش" تم قتله في كمين البدرشين ضمن العناصر الإرهابية".

هكذا ساقت الدولة كل المبررات المشهدية قبل أن تحجب الموقع، لكن الغرابة الحقيقية، كما ردد كثير من المتفاعلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو أن الحجب أتى متأخراً كثيراً، خصوصاً أن الكثير من المواقع المحجوبة عوقب على ما هو أقل خطورة من التقرير، أو حُجب كفعل احترازي بسبب تاريخ سياسي معارض، ولذلك تلقى الجميع الخبر بـ"عادية" لأن الحجب أصبح فعلاً عادياً ويومياً في مصر السيسي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها