الأربعاء 2017/09/06

آخر تحديث: 18:28 (بيروت)

معضلة العصر الرقمي: الأمن أم الخصوصية؟

الأربعاء 2017/09/06
معضلة العصر الرقمي: الأمن أم الخصوصية؟
ما تزال معادلة الأمن الرقمي مقابل الخصوصية هي الإشكالية الأبرز في مختلف النقاشات (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ما قيمة أن نكون أحراراً في العالم الرقمي؟ وما قيمة خصوصياتنا؟ وكيف نحميها ونحافظ عليها، وسط التقدّم المتسارع للتكنولوجيا، والتغييرات في الكثير من المفاهيم والمبادىء، وتدفعنا بشكل حثيث نحو إعادة طرح وتشكيل مواقفنا ورؤيتنا  لمواكبة كل التطورات من منظور مختلف وجديد، ما يجعلنا في حالة تحديد وتجديد آرائنا تجاه مختلف القضايا المرتبطة بحقوقنا بالحرية والخصوصية والأمان، سواء كان ذلك في العالم الرقمي أو من خلال استعمالنا لأدواته.

لكن في حين لا تزال فيه معادلة الأمن الرقمي مقابل الخصوصية، هي الإشكالية الأبرز في مختلف النقاشات على مستوى المنظمات الحقوقية والحكومات ووكالات إنفاذ القانون، فإنّ غياب أي نص قانوني واضح يضبط وينظّم عمل وصلاحيات هذه الجهات لناحية محدودية صلاحيتها ومدى إطلاق يدها بالتعامل مع البيانات الرقمية لمستخدمي شبكات التواصل وكل ما يتعلق بالانترنت عموماً، من شأنه أيضاً أن يعمّق من مستوى الالتباس والغموض في هذا الإطار.

النقاش حول حوكمة معايير استخدام الانترنت وفي المقابل حول حقوق الإنسان في العالم الرقمي ليس جديداً، إذ لطالما حضرت قضايا حقوق الإنسان والتكنولوجيا وفرضت نفسها في مختلف الاجتماعات الدولية، بما فيها تلك التي تنظمها الأمم المتحدة ومنظمات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مجموعات ومراكز دراسات وأبحاث ارتأت في أكثر من مناسبة وحدث الإضاءة على مختلف التغييرات التي طاولت مقاربة قضايا حقوق الإنسان بالتوازي مع ما يشهده القطاع الرقمي من تطور في مختلف المجالات والأصعدة. وفي حين يكون التركيز في أغلب هذه النقاشات على المشكلات والتحديات التي تواجهها شركات التكنولوجيا على أكثر من مستوى، فإن مؤسسة "سمير قصير" وبالتعاون مع "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الأميركية في بيروت، وبدعم من منظمة "اليونيسكو"، اختارت تقديم مقاربة مختلفة من خلال تسليط الضوء على تجارب دولية تسعى بكل قدراتها وإمكاناتها لتحقيق مواءمة إيجابية بين التكنولوجيا الحديثة والتنمية وحقوق الإنسان والعمل الديموقراطي والسياسي، إلى جانب العمل مع الجهات المعنية في التصدي للمحتوى الإرهابي ومكافحة انتشاره في المنصات الرقمية والانترنت بشكل عام.

الإضاءة على هذه التجارب تنضوي في إطار برنامج "التكنولوجيا من أجل الحرية" Tech4Freedom، والذي أطلقه مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" في مؤسسة سمير قصير العام الماضي، بدعم من "اليونيسكو"، بهدف تمكين المؤسسات العربية لحقوق الإنسان والتنمية، من خلال أدوات تكنولوجيّة تساعدها على التقدّم في قضاياها وأهدافها. ومع اكتساب ساحة التكنولوجيا في لبنان زخماً كبيراً، حيث بات مطوّرو التكنولوجيا يهتمون بقضايا حقوق الإنسان والتنمية، جاءت ندوة بعنوان "الديموقراطية وحقوق الإنسان في العصر الرقمي"، في الجامعة الأميركية في بيروت، لتقدم نماذج دولية يمكننا الاستفادة منها، إذ ضمّت جلسة النقاش خبراء دوليين أصحاب تجارب ومشاريع تهتم بتطوير وابتكار التكنولوجيا بهدف دعم حرية التعبير والمساعدات الإنسانية والمبادرات التنموية، ومحاربة الإرهاب، ونشر قِيَم الديموقراطية.

كلوديا فاغنر، الباحثة البريطانية ونائبة مدير مشروع "التكنولوجيا ضد الإرهاب"، استعرضت أبرز ما يقوم عليه هذا المشروع المشترك بين مؤسسة "آي سي تي 4" والمديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، تحت وصاية لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، حيث أشارت إلى المشروع يهدف إلى تعزيز الثقة وبناء القدرات من خلال الربط بين إدارة الأعمال والحكومة والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، من أجل تحسين القدرة الجماعيّة على منع وتعطيل الاستخدام الإرهابي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت.

فاغنر تدرك أن العمل ضمن هذا الإطار ليس بالأمر السهل بتاتاً، فالتحديات التي تواجههم تتفاقم يوماً تلو الآخر، خصوصاً وأنّ الجماعات المتطرفة سرعان ما تلجأ لحسابات ومنصات بديلة فور تعرضها للحجب أو الحظر. وعليه يسعى القائمون على المشروع إلى بناء مجتمع يضمّ مختلف شركات التكنولوجيا الدولية، كي يتمكنوا من التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات، كجزءٍ من العمل على التصدي لانتشار الإرهاب في الفضاء الرقمي، وسيكون لبنان جزءاً من هذا المشروع، حيث تُعقد اليوم ورشة عمل لتدريب عدد من الشركات الناشئة لتهيأتها كي تكون شريكاً في هذا المجتمع، في حين أن الإعلان عن وسائل مبتكرة وإطلاق أدوات وشروط مرجعية ومعايير تتصدى للارهاب وتواكب التطور المتسارع في القطاع التكنولوجي سيكون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بموازاة العمل على منتدى عالمي لإشراك كل الوسائط الاجتماعية ومستخدميها في هذه الجهود.

وفي حين أنّ تحقيق ذلك يتطلّب وجود ثقافة مجتمعية وإحساس عالٍ بالمسؤولية يدفع الفرد للسعي نحو إنجاح هذا النوع من المشاريع، فإن دراسة توجهات الرأي العام من خلال التكنولوجيا قد تكون خطوة مساعدة في هذا السياق، وهو ما يتيحه مشروع "ويب رادار"، الذي يقدّم أدوات لقياس أفكار ومشاعر شريحة معينة من المجتمع من خلال ما تنشره في مواقع التواصل، كما تحدث خلال الندوة مدير المشروع، جازم حلوي، وهو رائد أعمال تونسي في مجال التكنولوجيا التسلسلية، حول أهمية الأدوات التي يستخدمها والتي تتيح له معرفة التوجهات العامة والمواقف حيال أي قضية أو حدث معيّن، من خلال تحليل اللغة والمصطلحات والمشاعر باستخدام خوارزميات مخصصة لهذا الهدف. ووفقاً لحلوي فإنّ استخدامه لتقنيات تحليل الرأي العام ساعدته مثلاً على اختراق إعادة صياغة دستور تونس بهدف إشراك المواطنين في عملية صنع القرار عام 2013، وتمكنت المجموعة التي كان يديرها من إضافة مفهومَي الحوكمة المفتوحة والحصول على المعلومات في دستور العام 2014. وفي حين أن المشروع يقتصر حالياً على تونس، إلا أن حلوي يدرس التوسّع خارجها، ليشمل أوائل العام المقبل الأردن ولبنان.

إشراك المواطنين في تكريس ثقافة حقوق الإنسان في العالم الرقمي يشكّل الهدف الرئيس لمشروع شركة "إلفا" لإشراك المجتمع، حسب جون كاتشوك، رائد الأعمال الهولندي في المجال الاجتماعي والمتخصص في تطوير التكنولوجيا المبتكرة في مجالي تجنّب النزاعات والمشاركة المدنية. ومن خلال تقديم تجربته خلال الندوة، تحدّث كاتشوك، عن عمل شركة "إلفا" لمد جسور بين المواطنين والقائمين على المشروع في الكثير من الدول، بهدف تشجيعهم على الإبلاغ عن انتهاكات أو تجاوزات لحقوق الإنسان من خلال استخدام تقنيات تتيحها الشركة لهم. لكن التحدي الأبرز في هذا الإطار يكمن في تأمين الدليل على ذلك من جهة، والعمل الفوري على محاسبة أو معاقبة الجاني من جهة أخرى، خصوصاً في أماكن النزاعات والحروب المستعرّة، والتي لن تكون المصدر المثالي الموثوق لعمل هذا المنصة.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها