الأربعاء 2017/09/27

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

أحجبة كثيرة ما زالت تُبعد السعوديات عن مقود السيارة

الأربعاء 2017/09/27
أحجبة كثيرة ما زالت تُبعد السعوديات عن مقود السيارة
بالرغم من هذا الانجاز يبقى هذا الانتصار منقوصاً (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1990 شهدت شوارع الرياض تظاهرة نسائية جريئة، قامت خلالها أكثر من 40 امرأة سعودية بتحدّي القوانين التي تمنعهن من قيادة السيارة، حيث ركبن سياراتهن وقدنها في شوارع المدينة، تعبيراً عن مطالبتهن بنيل هذا الحق. لكن التظاهرة لم تستمر طويلاً، بعدما أوقفت الشرطة المتظاهرات، وتم اعتقالهن ليومٍ واحد ومصادرة جوازات سفرهن، وبعضهن خسرن وظائفهن، بعدما وُصمن بالعار.

المطالب هذه لم تخمدها أساليب الترهيب والتهديد بالاعتقال أو العقاب، بل بقيت حاضرة وحيّة في السنوات التي تلت تلك التظاهرة الشهيرة، حيث اتخذ النضال أشكالاً مختلفة، انضوت جميعها في الإطار الحقوقي والمطلبي الذي تولّت العديد من النساء السعوديات حمل لوائه والمحاربة من أجله، مهما كانت العواقب والتداعيات.

وجيهة الحويدر كانت واحدة من هؤلاء الناشطات التي بادرت العام 2007 إلى جمع أكثر من ألف توقيع، ضمن عريضة سلمتها لاحقاً للملك الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، تُطالب بإقرار حق المرأة السعودية في قيادة السيارة. وذلك قبل أن تقوم الحويدر في العام 2008 بإثارة ضجّة واسعة في البلاد، إثر نشرها مقطع فيديو يُظهرها وهي تقود سيارتها، في رسالة تحدٍ واضحة للسلطات التي تجاهلت مطلبها ومطالب الكثير من السعوديات المحكومات بقوانين جائرة ومجحفة بحقهن.

الأسلوب نفسه قررت انتهاجه لاحقاً الناشطة الحقوقية السعودية منال الشريف، إبان ثورات الربيع العربي، عندما قادت العام 2011 حملة مطالبة لحقوق المرأة في القيادة، وحُدد يوم 17 حزيران/يونيو من العام نفسه، يوماً تقود فيه النساء السعوديات سياراتهن لقضاء حوائجهن، وسمّيت الحملة "سأقود سيارتي بنفسي"، ما أثار جدلاً واسعاً في السعودية وغضباً عارماً لدى السلطات الدينية والتشريعية، فكان القرار باعتقال الشريف واتهامها بـ"إخلال النظام"، بعدما أعقبت حملتها تلك بنشرها مقطع فيديو في "يوتيوب" وهي تقود سيارتها في مدينة الخبر، ليتم إطلاق سراحها لاحقاً، بضغط من المنظمات الحقوقية الدولية، إنما بعد دفعها كفالة وكتابتها تعهّداً بعدم التكرار.

الدرب الطويل من النضال لأجل نيل المرأة السعودية حقوقها كان على موعد اليوم مع محطة شهدت تحقيق إنجاز مهم، بعدما قررت السعودية بأمرٍ ملكي أن تنزع عنها صفة الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع النساء من قيادة السيارات، حيث أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، أمراً بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حد سواء، في خطوة وصفتها الكثير من السعوديات بـ"الانتصار"، وبأنها تنذر بأنّ المخاض الذي يسبق ولادة "السعودية الجديدة" قد بدأ، وأن العمل بعد هذا الإنجاز سيكون للدفع نحو إسقاط قوانين الوصاية المفروضة على المرأة السعودية، إذ إنّ "العقلية تغيّرت، والمملكة تتجه لتكون أرض المساواة. إنها أولى الخطوات نحو الحرية"، تقول إحدى السيدات السعوديات لصحيفة "الغارديان".

اتجاه المملكة السعودية نحو حكمٍ أكثر عصرنة وحداثة، بموزاة رؤيتها لتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية، ومسيرتها التي بدأت مؤخراً بانتهاج مسار أكثر استقلالية على الصعد كافة بما فيها السياسية والعسكرية، فتحت أبوابها لنقاشات أوسع وأهم، تتمثل بالمطالبات بالالتفات والاستجابة للمطالب الداخلية وإبداء الايجابية في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان وحقوق المرأة، خصوصاً في ظل القيادة الشابة الجديدة المتمثلة بولي العهد محمد بن سلمان، والتي بدأت بصماته تظهر جلياً لناحية عزمه لقيادة المملكة نحو الحداثة، وإضفاء طابع دولة المؤسسات والقانون عليها، وتخفيف قبضة المؤسسة الدينية المتشددة عنها، حيث أجمع كثيرون على أن الأمر الملكي الجديد يُعتبر خطوة واضحة باتجاه التخفف من هذه الصبغة، ما يبشّر بالجنوح نحو انبثاق منظومة أكثر تطوراً لناحية تحديثات القوانين والاصلاحات في الاقتصاد والقضاء والمجتمع، تصب في هذا الاتجاه وتسير في طريقه.

الآمال والتطلعات والتحليلات التي استتبعت الأمر الملكي، لجهة السماح للمرأة السعودية بالقيادة أطلقت نقاشاً في الكثير من وسائل الاعلام العالمية والمحلية وفي مواقع التواصل، حيث شهدت إجماعاً لآراء الغالبية على أن ما صدر عن الملك السعودي يُعتبر في جوهره انتصار للمرأة السعودية ولنضالها التاريخي الطويل لأجل نيل حقوقها، ويعكس أن المملكة جادة في مضيّها نحو تحقيق أهداف "رؤية 2030" الحاملة للتغيير على أكثر من صعيد والباعثة للأمل في الكثيرين.

لكن وبالرغم من هذا الانجاز يبقى هذا الانتصار منقوصاً، طالما أن المرأة السعودية ما زالت خاضعة لقوانين الوصاية وممارسات التمييز ومحاصرة حريتها وحركتها الاجتماعية اليومية، وهو ما أرادت صحف أميركية وبريطانية تسليط الضوء عليه، بينها "يو إس توداي" و"الاندبندنت"، التي ارتأت التذكير بالأمور التي ما زالت المرأة في السعودية ممنوعة من القيام بها إضافة إلى الحقوق التي لم تنلها بعد، مستندة إلى ذلك للقول إنّ السعودية لم تتحول بعد لأرض العدالة والمساواة، وإن الحرية والحقوق لا تزال مقموعة ومصادرة.

وعلى الرغم من ترحيبها بالأمر الملكي وتهنئتها للنساء السعوديات، إلا أن وسائل الإعلام الغربية بدت أكثر واقعية وشفافية في نقاشها لحيثيات وتداعيات الأمر الملكي الأخير، إذ اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إنهاء الحظر على قيادة المرأة السعودية للسيارة، لا يمكن أن يمرّ من دون معارضة داخلية في المجتمع السعودي، حيث تطغى العقلية المحافظة وتسيطر على أسلوب حياة الكثير من العائلات، ما يدفع للسؤال حول مدى قدرة التغيير والعصرنة بالانعكاس على الممارسات الحياتية اليومية لدى السعوديين.

ما أشارت إليه "نيويورك تايمز" ظهرت مؤشراته بقوّة في الداخل السعودي، بعدما انتشرت عقب الإعلان الرسمي عن الأمر الملكي، رسائل بين السعوديين عبر تطبيق "واتس اب" ووسائل تواصل أخرى تحذّر من هذا القرار، وتطالب بالعمل على عرقلة تنفيذه، باعتبار أنه يساهم في "خراب القيم والأخلاق ويأتي بالكوارث"، وهو ما دعمته فئة من السعوديين في "تويتر"، بإطلاقها هاشتاغ #الشعب_يرفض_قيادة_المرأة رداً على الترحيب والتهليل الذي ظهر من خلال هاشتاغ #الملك_ينتصر_لقيادة_المرأة.  وبرر هؤلاء رفضهم للأمر الملكي بقولهم إنّ قيادة المرأة للسيارة سوف تسهم بأن "يذهب الخجل وتعم الفوضى ويكثر الفساد"، وإن "قرار قيادة المرأة للسيارة لا يخدمنا أبداً، فهو يجردنا من حيائنا وحجابنا، وسوف يزيد عناء أولياء أمورنا"، على ما كتبت إحدى المغردات.

هذا السجال يعكس الاختلاف الذي يرشّح لاحتدام النقاش بين الفئة المحافظة وتلك التي تدعو للحداثة والتغيير، والذي يبدو أنه لن ينتهي بعد موعد إنفاذ الأمر الملكي العام المقبل، كما يظهر أن محاولات عرقلته ستكون قوية وحثيثة، إذ إن اختلاط الفهم لجهة تعريف التحرر الفكري تلتبس عند الكثيرين من معارضي هذا القرار، لناحية الصاقه بالتحرر من الأخلاق والقيم، ما يجعل معارضته عندهم مرتبطة بالواجب الشرعي الديني، وأن منح هذه الحقوق للمرأة يُعتبر تخطياَ للأعراف وضرباً للتقاليد.

وفي حين أن المرأة السعودية أصبحت اليوم محمية قانوناً لناحية حقها في القيادة، لكنها لن تكون بمنأى عن محاولات إجهاض هذا الحق وإبطال مفاعليه، إن كان في إطار العائلة أو في إطار التوجيه الذي يقوده المتشددون ضمن هذه المنظومة الفكرية المجتمعية أو حتى في مواجهة أصحاب العقلية الذكورية المتجذرة عميقاً في مجتمعها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها