الأحد 2017/09/24

آخر تحديث: 17:56 (بيروت)

المُطلّقة والشيخ المُقاوم

الأحد 2017/09/24
المُطلّقة والشيخ المُقاوم
كلام الشيخ قاسم أثار جدلاً عارماً في مواقع التواصل (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الدعوات والتحذيرات التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم، وتطرّق إليها من خلال خطبة ألقاها في مجلس عاشورائي، خُصص لإحياء الذكرى والتذكير بالأسس التي انطلقت من أجلها ثورة الحسين، تحوّلت عن مسارها، من خلال تناول نائب الأمين العام لحزب الله، موضوعاً ربّما اعتبر التكّلم عنه من الضرورة بمكان، كما لو أنّه يلقي عليه صفة الطارىء والعاجل والملّح، ليسلّط الضوء عليه كما لو أنه مفسدة عظيمة وأمر جلل، لا يحتمل التأويل ولا التأجيل.

الموضوع الذي تناوله الشيخ قاسم استهّل الحديث عنه بداية بإبداء امتعاضه من الاختلاط بين الجنسين الحاصل في المدارس، إن كان في الصفوف أو في الرحلات أو في المناسبات، كما عبّر عن رأيه بعدم وجوب التحادث والتواصل بين النساء والرجال والإناث والذكور من خلال وسائل التواصل، معتبراً أنها من أنواع الخلوة غير الشرعية وغير الجائزة، ليصوّب من بعدها على المدرّسة التي تمارس التعليم والتوجيه، من خلال قوله "إذا مدرّسة دايرة على أفكار خاصة بكيفية الحياة، تصوّروا واحدة بدها تنظرلهم (للطلاب) عن الحياة، كيف تعيش حياتك؟ بتطلع هي مثلاً معلمة مطلقة، مقضية مشاكل بحياتها، بدها تعطي نصيحة للبنات من الخراب اللي وقعت فيه". 




هكذا إذن، فلنحذر المعلمات المطلقات، ولنعزل أبناءنا عن نصائحهن و"تنظيراتهن"، تماماً كما يدعو الشيخ نعيم قاسم، طالما أن الأمر سيقود الى خراب العقول والقيم، فيما الخطر يحيط بنا من مختلف الاتجاهات، حيث بتنا نشهد عصر الانحدار الأخلاقي، الآتي إلينا من بلاء التكنولوجيا ومواقع التواصل، التي أوصلت شبابنا لـ"للاحتراق" و"الانحراف". أما وأننا نريد ضبط سلوكهم وأخلاقهم، فلنبعدهم عن النساء المطلقات، الآتيات بالويلات والخراب!

الغريب والمستهجن في التحذيرات التي أطلقها الشيخ قاسم، هو كونها لم تكن حديثاً عابراً أتى على ذكره في ندوة دينية أو تربوية خاصة، ولم تكن في مجلس مغلق، يتعلق بتخريج دفعة من التلامذة أو الطلاب في مدرسة أو حوزة، بل أتى في خطبة تختص بمجلس عاشورائي يخاطب فيها الأمة على الهواء مباشرة، ما يجزم بأنه محضّر سلفاً، وهو صادر عن فكرٍ وعقيدة لا تندرج ضمن سياق زلات اللسان أو الهفوات، كما حاول البعض تفسيرها أو تبريرها، إذ أنه من المحتّم بأن الرجل لم يصعد المنبر ليلقي كلامه ارتجالاً أو جزافاً، بل أتى مضمونه ضمن سياق وتسلسلٍ القصد منه التوجيه من المنبر والمجلس الحسيني بكل ما يعنيه من رمزية لها اعتبارها عند جمهوره ومتابعيه.

ما صدر عن الشيخ قاسم، وقبله من رجال معممين، ينتهجون الخط نفسه والمدرسة نفسها، يشير إلى ما يُشبه الظاهرة من خلال الذهنية التي تتعاطى مع المرأة، بهدف تطويعها وتسييرها من منطلق وحكم السلطة الدينية، التي لا تُفسح مجالاً للنقاش، بل تندرج في سياق الأوامر والتوجيهات، حيث يتم تصنيف النساء في خانات الناشزات اللواتي تمارسن قناعتهن وحرياتهن، والصالحات اللواتي لا يرين في ما يصدر عن أصحاب هذا الخطاب تحريضاً عليهن، يل يسقن التبريرات والتفسيرات التي توجب الموافقة والطاعة، باعتبار أنها تهدف للحرص عليهن وحماية وصيانة دورهن كزوجات وأمهات وأخوات، طالما أنهن صاحبات قضية تحافظ على تكريس قيم بيئة المقاومة لناحية تفرّغهن لرعاية وتشجيع أبنائهن على انتهاج مفهوم المقاومة والالتزام به، بدلاً من الانصياع لأفكار ودعوات الانفتاح والحرية وتطورات العصر، ومحاربة هذا الشعارات كونها تشكّل جميعاً مؤامرة كونية وهجوماً ثقافياً يجب التصدّي له، وتتناقض مع أهداف التربية التي تستوجبها البيئة المقاومة.

كلام الشيخ قاسم أثار جدلاً عارماً في مواقع التواصل، كان لمشاركة العنصر النسائي فيه النصيب الأكبر، حيث ارتأين وجوب الرد على هذا الكلام الذي أشعرهن بالإساءة والإهانة، خصوصاً الجزء الذي تناول فيه المطلقات، اللواتي ضجت مواقع التواصل في الساعات الأخيرة بمشاركتهن بالسجال والنقاش. وضمن هاشتاغ #مطلقة_وأفتخر توجهت إحدى السيدات للشيخ بالسؤال "الطلاق ليس جريمة ولا هو أمر محرّم، وهو خيار قسري في بعض الحالات، فهل على المطلقة الانزواء وعدم القيام بدورها الاجتماعي والانساني؟"، في حين طالبت العديد من النساء الشيخ قاسم بتقديم الاعتذار ليس من المطلقات فقط، بل من كل امرأة شعرت بالإهانة والإساءة.

وضمن السياق نفسه، أطلق لبنانيون هاشتاغ #نعيم_قاسم_البلد، في إشارة إلى التمييز والانقسام الذي حصل جرّاء خطبة الشيخ قاسم، ليتحول الهاشتاغ إلى الاكثر تداولاً في "تويتر"، والذي عبّر من خلاله الكثيرون عن غضبهم وخيبتهم من الإساءة التي ارتكبها الشيخ قاسم، والحزب الذي يمثله، بحق المرأة عموماً. لكن المستغرب أكثر من كلام الشيخ قاسم، هو التبريرات التي قدّمها بعض من جمهور حزب الله ومناصريه، باعتبارهم أن التحذير من "المرأة التي قادها فكرها المنحرف للطلاق هو أمر واجب"، ما يشير إلى أن فكر الشيخ قاسم والسائرين على خطاه، تأتي ترجمته وانعكاسه على جمهوره ومؤيديه تنوراً وارتقاءاً أخلاقياً وضبطاً في تعابيرهم ومصطلحاتهم، وليس أدلّ على ذلك، سوى تغريدات البعض الذين ردوا على منتقدي الخطيب العاشورائي الجليل، بقولهم "صباط الشيخ على راس كل متطفل"، و"انبحوا كما يحلوا لكم إن كان العواء يريحكم"!!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها