الأربعاء 2017/09/20

آخر تحديث: 18:10 (بيروت)

الإخفاق بمواجهة "الدعاية الإسرائيلية".. من الفلافل الى الزي التراثي

الأربعاء 2017/09/20
الإخفاق بمواجهة "الدعاية الإسرائيلية".. من الفلافل الى الزي التراثي
increase حجم الخط decrease
"غُض بصرَك عن رواية اسرائيل، حتى وإن كان الهدف صدّها، لأنك تساهم بذلك في نشرها والترويج لها من دون قصد". 
بهذه المقاربة السطحية، تتصرف السلطة الفلسطينية والفصائل في الرد على الرواية الاسرائيلية حول مختلف الأحداث في الأراضي المحتلة، على الرغم من أن الفلسطينيين على مستوى السلطة والأحزاب والنشطاء، باتوا يولون أهمية كبيرة في السنوات الأخيرة لحرب "الرواية" التي تفوقت فيها اسرائيل لمرحلة معينة.

وبين مَن ينصح بمتابعة الرواية الاسرائيلية وردعها، وآخر يدعو الى تركها وعدم التعامل معها مطلقاً، نعود الى المربع صفر في معركة "الرواية" مع الإحتلال الاسرائيلي، فيبدو ان هناك من ينسى أننا اهملنا الدعاية الاسرائيلية منذ زمن والنتيجة، اننا دفعنا الثمن، ووضعنا أنفسنا في بوتقة حالت دون فهم عدونا كما فهمنا، فرأينا الاسرائيلي يكرس روايته لدى الغرب، ويقول إن الفلافل اللبنانية هي من صنع يد اسرائيلية، وان الثوب التراثي الفلسطيني الذي ارتدته مضيفات طائرة "العال الإسرائيلية" من التراث الاسرائيلي، وقبل ذلك بعقود، أن فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا ارض، وأن من يعيش فيها قلة من البدو تتمركز في منطقة النقب.

والآن، تخصص اسرائيل صفحات رسمية لناطقيها ينشرون ويكتبون ادعاءات وروايات مزعومة بدأ عرب ضعفاء بالتعاطي معها، ثم تخرج أصوات وتتساءل: "لماذا نتابع الدعاية الإسرائيلية ونكلف أنفسنا الرد عليها؟"

والواقع ان الرواية الفلسطينية، لا تزال مرتبكة وتتخذ شكل "رد الفعل" على ما تقوله اسرائيل حيال حدث طارئ ما، أكثر من كونها نهجاً ثابتاً متجدداً، كما أنها لا تزال متعثرة الوصول الى اكبر شريحة من المجتمع الغربي، في مقابل ما تقوم به الماكينة الاعلامية والدعائية الإسرائيلية.

والغريب أن أصحاب هذه الحجة، تتخذ مواقفهم حيال ذلك الطابع المزاجي، فمثلاً نجد متحدثين ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، الذين نتوجه اليهم كإعلاميين للرد على مزاعم اسرائيلية إزاء أمر ما، متحمسين في تكذيب بعضها، ثم رافضين للرد على بعضها الآخر، وعندما يريدون أن يُريحوا انفسهم من عناء الرواية المضادة، فإنهم يتذرعون بإنها "الرواية الاسرائيلية..اهملوها". ويبدو أنهم لا يدركون انهم بذلك يحثون الرواية الاسرائيلية حول حدث ما "على الانتشار بلا رادع"، لأنها لم تجد رواية فلسطينية رسمية مضادة تعريها.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، يقول لـ"المدن" إن صاحب الحق، من حيث المبدأ، يكون مطمئنا لأن رواية اسرائيل مختلقة بوحي استعماري، وأن تزوير الرواية مرتبط بالاستعمار الكولونيالي"، مضيفاً "انها إذا ضعفت اميركياً فإن كل الرواية الإسرائيلية ستتراجع".

ويؤكد زكي ضرورة ان تكون هناك رواية فلسطينية مضادة لتلك الإسرائيلية، غير أنه يستدرك بأن "الصوت الفلسطيني والعربي لا يصل للعالم، في حين يصل الصوت الإسرائيلي بسهولة أكبر لأن الميديا العالمية لصالحه، علاوة على أن اعلامنا العربي مُنشغل بنفسه".

ويقرّ زكي بأن تراجع دور "منظمة التحرير"، خلال مسيرة السلام المتعثرة على مدار 24 عاماً، أثر سلباً في صد الرواية الإسرائيلية ومواجهتها، مُبيناً أنه قبل نشوء السلطة الفلسطينية كان هناك مركز للأبحاث تابع للمنظمة مهمته التصدي للإدعاءات الإسرائيلية، لكن تم اغلاقه بعد توقيع اتفاق اوسلو، فتلاشت التعبئة والاستعداد وجرت تغييرات مذهلة بحجة السلام. 

ويطالب زكي بتشكيل لجنة مكونة من العقول والكفاءات والمفكرين الفلسطينيين والعرب المسلمين والمسيحيين لايصال الرواية الفلسطينية على الصعيد دولي، عبر شن حملات واسعة. كما ودعا في الوقت نفسه إلى إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وتقويتها وأن لا تبقى "قشرة بدون جوهر، لأنها الموج الذي يجب أن يستمر في ظل العواصف العاتية". 

التعثر نفسه، ينسحب على الفصائل الفلسطينية. لكن حركة حماس، تؤكد انها تعير اهتماماً لما يقول المسؤولون في اسرائيل، وكذلك اعلامها. ويؤكد القيادي في "حماس"، خليل ابو ليلة، إن كلاً من الحركة وذراعها العسكرية، "كتائب القسام"، يخصصان طواقم مختصة على دراية باللغة العبرية مهمتها متابعة الرواية الدعائية الاسرائيلية والرد عليها وتكذيبها كلما حانت الفرصة المناسبة وبطرق مختلفة. لكن الحية، أشار ضمنياً إلى أن هناك وجهات نظر متعددة داخل حماس حيال "الرواية الإسرائيلية" وكيفية صدها.

ويُذكر هنا المؤتمر الصحافي للناطق باسم "القسام" ابو عبيدة لتكذيب ادعاء وزير الجيش الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، الذي قال فيه "ان القيادي القسامي مازن فقهاء قُتل في سياق تصفيات داخلية بحماس، ولا دخل لإسرائيل فيها".

وأكد ابو عبيدة حينها "أن هذه الأكاذيب الاسرائيلية لن تموه الحقيقة التي مفادها ان تل ابيب هي من تقف وراء اغتيال فقهاء عبر عملائها حيث هددت بتصفيته مراراً. وستدفع ثمن ذلك".

ويرى ابو ليلة في حديث لـ"المدن" ان الرواية الإعلامية للمقاومة كانت قد تفوقت وقت الحرب على اسرائيل بشكل لافت لا سيما العام 2014، حيث كان المستوطنون المقيمون في "غلاف غزة" يستمعون لما يقوله ابو عبيدة اكثر مما يقوله قادتهم السياسيون والعسكريون في تل ابيب.
ويعتبر ايو ليلة ان استغلال المقاومة للاعلام وصياغة روايتها في هذه الأثناء افضل حالاً مما كان عليه الاعلام العربي خلال تغطيته لنكسة حزيران 1967، على سبيل المثال، الذي "ضلل الجمهور العربي وكذب عندما قال اننا انتصرنا وحققنا هزيمة اسرائيل لنكتشف النتيجة الصادمة، وهي احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء المصرية ومعهما الجولان السوري، إضافة إلى أراضٍ عربية مجاورة".

ويعتقد ابو ليلة ان كثافة الرواية الدعائية الاسرائيلية في هذه الأيام وتخصيص صفحات لهذا الغرض عبر فايسبوك، مثلاً، "تخفي وراءها عجزاً اسرائيلياً، فهم يريدون من خلالها أن يحققوا ما عجزوا عنه بالقوة، ألا وهو اعادة الثقة للجمهور الإسرائيلي بمؤسساته العسكرية والسياسية، والتأثير على وعي العرب والمسلمين". 

لكن رواية المقاومة الفلسطينية، موجهة إلى الداخل كما أنها تعبوية، ولا يُمكنها أن تصل بالشكل المطلوب للعالم الخارجي، مما يستدعي جُهداً فلسطينياً منظماً من أعلى مستوى سياسي وأكاديمي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها